المجلس الوطني في نيوزيلندا-  National Council of New Zealand

25 / 10 / 2006

 

رسالة مفتوحة إلى عطوفة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي المحترم ،

من مغتربٍ إلى أبعد منفى لبناني في العالم ،،، المنفى الجميل : نيوزيلندا ،

 

تحية اغترابية لبنانية ،

كمغتربٍ لبناني ، يأسرخ تاريخ وطنه ويهمه بقاؤه رمـز ولاءٍ وانتماء ، وَ ...

كمواطنٍ حرٍ في بلدٍ ديمقراطي يعيش يوميات أهله في لبنان ويرى إلى تحجّر أهل السياسة فيه وانسداد الأفق الذي وصلوا إليه واستطراداً ، يقودون الشعب إلى شبه مجزرة لم يعد بالمستطاع تحمّل عواقبها ، وَ ...

 

تقديراً لجهودك التي يُؤمل توسيع نطاق استثمارها رحمةً بالشعب المحبط والفاقد الثقة بقياداته نتمنى عليك ( نحن لم يعد لدينا سوى التمني ) أن تأخذ بالاقتراح الذي نضع بين يديك إذ ربما ، إذا أخِذَ به ، يكون طوق النجاة في بحار التأزّم الحالي الذي يبشر بالويل والثبور وعظائم الأمور .

 

دولة الرئيس ،

إن الحكمة القائلة بفقأ الدملة لتنظيفها قد تكون هي الداء الناجع الذي يصبو إلى إيجاده الجميع ...

والمغترب يعتبر نفسه واحداً من بين الجميع ... ومن حقه البحث مع غيره عن هذا الداء ...

 

إن ما شاهدناه على شاشات التلفزة من تجهّمٍٍ كبير بادٍ بوضوح على وجهك يدلنا إلى المدى التي وصلت إليه الأزمة السياسية في الوطن الذي إذا ما فقدناه ، لا سمح الله ، لن يبقى لنا ما نفاخر العالم بانتمائنا إليه . 

 

دولة الرئيس ،

يقول العامة : من يرى روما من أعلى هو غير من يراها من أدنى ، لذلك أسمح لنفسي بأن أقدم إليك اقتراحاً  يمكن طرحه على الطاولة التي سيتجمع حولها من أطلقت مبادرتك أمامهم للنقاش .

وطالما أن ردود الفعل بدأت بالظهور وأكثرها محِقّ فلا بأس إذاً أن يتسع أفق التشاور حول طرحٍ متكامل يُرسى من خلال مناقشته حلاً نهائياً للأزمة القائمة ويضع البلاد والعباد في أجواء الهدوء والثقة والاستمرارية .

 

آمل أن يؤخذ هذا الطرج بالجدية التي عهدناها عندك .

 

لاحظ حداد

مؤسس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم / نيوزيلندا

 

اقتراح ميثاق وطني جديد ،،، برسم المتحاورين والمتشاورين

 

لبـنان بناه آباؤنا بشهادةِ دمٍ لم تفرّق بين مسلم ومسيحي . استقلاله كان نتيجة تكاتف أبنائه ، مسلمين ومسيحيين، لم يستطع الاستبداد التركي وبعده الانتداب الفرنسي من تفكيكه . وسنوياً نتغنى بفضائل تماسك معتَقلي راشيّا وعنفوان أحرار بشامون ونتذكّر بافتخار المظاهرات الشعبية التي عمّت البلاد في طلب الحرية والاستقلال !  

 

ألا رحمَ الله أيامَ كان المسلم مسلماً والمسيحي مسيحياً ، تلك كانت الوطنية والمواطنة الحقيقية !

 

الميثاق الوطني الذي ارتضاه لبنانيّـو الاستقلال ، أُريدَ بـه عموداً فقرياً لنظامهم الديمقراطي ، أسهمَ ، بما اشتمل من أعراف وقواعدَ وحدةٍ وطنية في تثبيت استقلال أول كيانٍ في الوطن العربي الكبير وأصبح مثالاً يُحتذى في العيش والتعايش الوطني بين أبنائه بكل طوائفهم وقومياتهم ،،،

هذا الميثاق قام على تفاهم عميق وشجاع بين ممثلي طوائف لبنان وعمّرَ نصف قرن ، وكان دام أبدياً ، مع تحسينه ديمقراطياً ، لولا السماح للغير بالتدخل في حياتنا السياسية وتعطيل ديمقراطيتنا ،،، 

رياض الصلح وبشارة الخوري ورعيل الاستقلال بأكمله زرعوا الثقة الكاملة التي جمعت فيما بينهم ، بين أبناء وطنهم فتبوتقت معها كافة المصالح الخاصة لتصبَّ في مصلحة الوطن قبل أن ينطلقوا في عملية بناء الدولة،،، 

 

أيهاالسادة ،

خبراء الدبلوماسية السياسية ، لا بد وأن يستحضروا تاريخ الاستقلال ويدخلوا في أسرار الميثاق الوطني . ومن المؤكد أنهم واجدون أن انعكاس معادلة الخوف والحرمان تتطلب وجود "رياض صلح " من نوع جديد ، يفرض الثقة بين اللبنانيين قبل زرعها في نفوس سياسيي اليوم ، فهؤلاء أنتم أدرى بنفوسهم . وهذه الثقة ، لا يمكن فرضها بأسلوب الغالب والمغلوب المتبع عادةً في الأزمات . هذا الرياض قد يكون رجلاً بفرده لكن الأجدر أن يكون مجموعة من الرجال الوطنيين !

 

المعضلة ،،،

إذا كان رياض الصلح قد طلب إلى العرب محض ثقتهم لمسيحيي لبنان كي يقتنعوا بعروبتهم ( على ما ذكرَت ابنته السيدة علياء في كتاب - هؤلاء دخلوا التاريخ )، إزاء تخوّفهم الذي استوعبه المسلمون بقبولهم النص الدستوري " لبنان ذو وجه عربي" . فكيف يمكن أن يأتي " صُلحٌ جديـدٌ " وقد أثبتت سوريا والعرب للمسيحيين ، أن عروبتهم التي وقعوا عليها نصّاً دستورياً " لبنان عربي الهوية والانتماء" ، قد نقلتهم من حالة الخوف إلى حالة الغبن ، المُفْتَرَض رفعُه عن المسلمين ، لتلقي بثقله عليهم . وأن وجهَ الصراع السياسي فلبنان تحوّل من صراع من أجل حقوق المسلمين إلى صراع من أجل الحفاظ على البقاء بالنسبة لجميع اللبنانيين مسيحيين والمسلمين .

 

أيها السادة ،      إن الحكم ، أي حكم ، يتحمّل الآثار المادية والمعنوية والتاريخية التي تنتج عنالقرارات المصيرية التي يُقدِم عليها في منأى عن إرادة الشعب وفي غياب ممثلين حقيقيين عنه ؛ بصرف النظر عن مدى شرعية المقرارات وصدق النوايا .

 

من المستحيل تغليف إرادة الشعب بالدكتاتورية !

من هنا نرى أن وجوب التزام نهجٍ سياسيٍّ ما ، لا يبرر اتخاذ قرارات مصيرية دون تأمين ضرورات النجاح واحتساب نتائج الفشل وأن ربط مصير وطن بمصالح وطنٍ آخر تحت ضغوط أية شعارات قومية مشتركة أو تفرضه قوة دكتاتورية قاهرة ، في غياب القدر الكافي من الديمقراطية الرادعة ، يرتقي إلى مستوى الخيانة الوطنية والقومية وسوف يؤدي إلى كارثة حقيقية .

 

والنظام اللبناني بنـاء ديمقراطي ما أن يسقط مدماك منه حتى ينهار البناء بكامله مهما استُعمل في تقويته من دعائم استنادية. والأمثل في حالتنا إعادة المداميك المنهارة إلى أماكنها وتقويتها بتسليحها بعناصر ثابتة من الثقة والوطنية قبل إعلانها صرحاً داعماً للقومية ، إن لم نقل رائداً لها .

الأزمة في لبنان أزمة ديمقراطية فقدت معنى وجودها ، بسبب تدخل دكتاتوريات خارجية فيها ، وقضت على مميزاتها وأخلّت بموازينها ، لذا بات من العبث استدراج الحل من الخارج لأزمة داخلية صِرفة بل الأجدى للحل إقصاء هذه الدكتاتوريات واستعادة تلك الديمقراطية .

 

من الظلم ضرب الولاء الوطني بسيف الانتماء القومي !

 

الأزمة في لبنان أزمة ثقة بدُعاة القومية العربية وشكوك هذه القومية الدائم في انتماء لبنان القومي بالرغم معانـاته الطويلة بسببها . والانتماء اللبناني إلى القومية العربية يُرسّخه ولاءٌ وطني صلب ويشجّعه أيمان القومية العربية بولائه ، وليس من ولاء يُباع أو انتماء يُشرى ، إذ مَن يتخلى عن ولائه الوطني لا يمكنه الإخلاص لانتمائه القومي والعكس أصح . والاثنان لا تحكمهما أيّـة دكتاتورية بل تجمعهما الديمقراطية .

والوطن اللبناني غير مُلْـزَم بالانتحار الوطني من أجل إثبـات انتمائـه القومي إذ من العبث القبض على وطن وزجّه في زنزانة قومية لم تتحرر كليّاً بل لا زالت تتخبط في مصالح خاصّة تتقدم كلَّ مصلحة قومية .

وليس من المنطق الوطني أن يبقى لبنان وحده يدفع ثمن انتمائه إلى هذه القومية فيما مُـدَّعـو التجذُّر فيها يقبضون أثمان تفكيكه وفي آن يدفعونه دفعاً إلى التخلي عن هذه القومية الشاملة والعودة إلى قوميته الوطنية بإنتظار الوقت الذي يصبح لتلك القومية معاني واضحة وحقيقية تجذبه إليها وليس سوقه قصراً إليها .

 

التحدي الإيجابي يُواجه بقوة الحق العام صيانةً للحق  . والتحدي الاستفزازي يُواجه بحق القوة حمايةً للحق

والوطن هو الحق ! وحق الوطن حقٌ علينا حمايته وصيانته كي يبقى وطناً لنا جميعـاً .

 

أيها السادة ،

نحن نمـرّ في حقبة هامة وخطرة من تاريخ وطننا لم نجابه مثلها من قبل . إنها مرحلة القرار الأصعب اتخـاذه بعد مرحلة اختبـارٍ مؤلمة لا زلنا نعاني أزمات الخروج منها . فإما أن نتابع التقوقع في قماقم العزلة العنصرية والطائفية الكريهة ونقبل بما تفرضه علينا من تكبيل فكري عملي لخاصيّتنا أو ننتفض ونتجاوز بل ونقفز فوق كل ما يعيق استعادتنا ريادةً ، كانت لنا منذ فجر التاريخ ، وتستقطبها اليوم بضعُ إمارات لم تشبّ عن الطوق السياسي بعد!    

 

الوقت عامل إن لم تقتله قتلك !!!..

 

إن ما نراه حاصلاً اليوم على الساحة السياسية اللبنانية ما هو إلاّ صراع بين الدكتاتورية المستوردة والديمقراطية الأصيـلة. وما نسمعه من مماحكات ومناظرات بين هذه وتلك سوى تنازع بقاء بين دكتاتورية لا تزال تراوغ ابتعاداً عن الحقيقة الوطنية وديمقراطية تتابع خطوات واسعة وثابتة باتجاه إحقاق هذه الحقيقة . والدفاع عن دكتاتورية مترهّلة تبدو وكأنها في مراحل نزاعها الأخير في مقابل ديمقراطية تنشط مجدداً ، بعد تكهيفها [ نسبةً إلى أهل الكهف ] لمدة ثلث قرن ، يضع الجميع أمام مسئولياتهم .

 

الاعتقاد بانتصار دكتاتورية ما على الديمقراطية ما هو إلاّ سرابٌ داومَ أهلُ الفتن على تشخيصه وإلباسه حللَ القومية ، وما هالهَم أن يزول وطنهم ويقضى على شعبه ، وهم منه ، كأنما القومية لا تستقيم إلاّ بإفناء الأوطان وإهراق الدماء والعودة إلى عصر السلطنة أو الخلافة وحتى السلفية ولا نقول قومية الجاهلية المستعربة .

 

ومن المفترض أن الجميع أخذَ العِبَر واكتفى بما سُفٍكَ من الدماء اللبنانية فداءَ وَهْمِ قوميةٍ غير ناضجة بعـد ، والأمثلة كثيرة أهمها فلسطين الراجمة والعراق المرجومة . وأيضاً ، مصر المسترجَعة والكويت المُـحتمي وغيرهما من مُستَنصر ومتاجر  ومتصارع  الخ… 

 

والسؤال البديهي: أَليسَ من الأجدى أن يُتركَ اللبنانيون ، المتنوعة مخاوفهم ، كي يقدّموا بوحدةِ ولاءٍ وطني ، مثالاً صحيحاً لبناء القومية العربية الحرة في ديمقراطية مبتعدة عن العنصرية والأصولية على أنواعها ، كما سبق لهم أن قدموا أفضل الأمثلة للعروبة الحرّة والمتحررة من أهوال الاستبداد التركي ومظالم الاحتلال الأجنبي؟

 

القرار الوطني ليس ولن ولا يجب أن يكون في يد رئيس الجمهورية وحده . فكما انتهى قرار الاستقلال الوطني الأول في يد رجال الاستقلال بعد سقوط شهدائه بالعشرات ، دون تمييز بين مذاهب وطوائف ، وصُهِرَت إرادتهم في ميثاق وطني يحمي دستورهم ، كذلك ، يجب أن ينتهي قرار الاستقلال الوطني الثاني في أيدي استقلاليين ، بعد سقوط الشهداء بالآلاف ، وأيضاً من جميع المذاهب والطوائف ، ويُعادُ صهر إرادتهم في ميثاق وطني جديد يصون دستور بلادهم ، بعد تطويره ، من عبث العابثين .

 

بين الأمس واليوم ، اهتز استقلال الكيان ، وإن لم يُفقد ، من أجل تغيير بضع كلمات في دستور لبنان يتعثّر تطبيقها ديمقراطياً، فاستُنجِدَ ، مرحلياً ، بدكتاتوريات شتّى فرضت هذا التغيير بقناعة الخوف على المصير بعد معاناة التدمير .

 

بين الأمس واليوم ، برزت فوارق سياسية اجتماعية مختلفة تماماً ، وإن كُبِّلَت بظواهر لم تعد قادرة على كبت البواطن وارتقاء الفكر القومي من مستواه التعصّبي الطائفي إلى مستوى الاقتناع الكامل دون إلحاح القوة ، إلاّ أنه يبقى متأرجحاً بين عناصر الطائفية أو العنصرية الوراثية والتابعية وعناصر شفّافة للقومية الحقيقية الرائدة . وهذه سوف تعتبر قفزة نضوجٍ من الغوغائية إلى القناعة والأيمان بالوطن .

 

والأوان ، بنظرنا ، قد حان أن يقف الجميع الوقفة الوطنية القومية الصحيحة ويُفرغ كفتي الميزان القديم في كفةِ ميزان عصري ييُرجّح بنتاج المختبر الوطني الكبير الذي مررنا في أنابيبه كلنا ، بعد أن صُفِّيَ فولاذُها تماماً بنيران التجارب واكتسبت ليونةَ الحديد صافيةَ المناعة والكفيلةَ بصد هجَمات جراثيم الأمراض الخبيثة والطحالب العارضة .

 

كفى ، كفى ، كفى ،،،

كلمات ثلاث قالها رئيس حكومة لبنان المغفور له شفيق الوزّان ، كانت كافية لإيقاف الجميع ، بمن فيهم الإسرائيليين، ولو مؤقـتاً ، عن ضراوة القصف الذي ضرب بيروت وأهلها أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان .

 

اليوم ، وضراوة ما يتعرض له لبنان كله من استخفاف بقِيمه واستغباء لشعبه وإهانة لكرامة جيشه واستغلال كامل سلطاته واستنزاف كافة موارده ؛ وهذه كلها تكاد تعيدنا ، إلى مجاهل القبلية والعشائرية، ولن نقول الطائفية لأيماننا بزوالها ولا نقول المذهبية [ حزبية – عقائدية ] لانتفاء وجودها الفاعل ، ورغم محاولات إيقاظ هذه وتلك لإعادة استعمالهما قسراً ، لذا نقول : يجب أن تعلن صاعقةً … كفى !

 

فالتمادي في الديماغوجية السياسية وسياسة القوطبة على كل تحرّك وطني وكذلك سياسة المداهنة أو التوغل في المناظرات والمماحكات السياسية والصحافية ، حريٌّ بها أن تقود البلاد إلى كارثة كبرى لن تنفع معها أفعال الترقيع التي برع بها سياسيو لبنان منذ القِدم ، ولن تثمر سوى المزيد من الإحباط وتأخير الحل . فقط الصراحة ووضوح الرؤية والتلاقي على الهدف الوطني سوف يؤدي إلى الإنقـاذ .

 

من عرف ماضيه صنع مستقبله !

 

أسئلة من الماضي القريب تتضمن عبَر الوقت الراهن ؟

* سؤال: هل إذا امتدح مسيحيو لبنان سوريا ، ليل نهار وامتدحها مسلمو لبنان نهاراً دون ليل ، تقتنع سوريا بصدق الفئتين؟ ولماذا سوريا بالذات ؟ ولماذا ننصّبها وَلـيّةَ أمورنا وموئل مباركتنا ؟ وهل هذا دوراً منحناها أياه ؟..

بل أليسَ من العار على سياسيي لبنان ، مدعي الخبرة الطويلة في عالم السياسة والذين كان العالم العربي بأسرة يتّخذ أسلوب مناظراتهم البرلمانية مثالاً له ، أليس من العار عليهم أن ينقادوا إلى دمشق ، زرافاتٍ ووحداناً ، كي يستشيروا في امور وطنهم شاباً لم يشبّ عن الطوق تماماً ... وهم لا يخجلون ؟

** جواب: الفئتان تدركان أن سوريا ، منذ زمنٍ بعيد ، لم تعد تصدق أية فئةٍ منهما . لاسيما بعد تقلّب الأوجه وأصحاب المصالح الفئوية المتكاذبين بالترافق والتضامن مع النفاق السوري الاستراتيجي ! لكن ، لماذا نصدّقها ؟

 

* سؤال : هل إذا اعترف اللبنانيون ، كل اللبنانيين ، بوثيقة الطائف أساساً لميثاقٍ وطني جديد ، تصبح هذه الوثيقة ميثاقـاً ؟ حتى ولو نفّذَ استنسابياً بما يثبت ويحقق أهداف واضعيه ؟

** جواب: الجميع يدرك أن وثيقة الطائف تجردت من مفاهيم الوفاق ولا تعني سوى المنتفعين من بعض بنودها المُنَفَّذة والمتضررين من بنودها الأخرى التي لم تنفّذ ... لذا أمست وثيقة استفادة ومصلحة ، بعضها لبنانية فئوية وأغلبها سوريةً وأبعدها عربياً ديماغوجياً لم تراعى فيها قومية بل راعت بأجلى الصور مصالح دولاتية خاصة أو ربما دفعاً لردةّ دينيةً مُحبِطة!

 

* سؤال : هل إذا استُـثيرت بعض النعرات الطائفية أو بعض المطالب السياسية أو الاقتصادية ، تنهار الوحدة الوطنية ويتخلخل السلم الأهلي بأكمله ؟

**  جواب: الجميع يدرك ، ومنذ بدء الأحداث اللبنانية والتدخل السوري فيها ، أن سوريا كانت بالمرصاد لكل محاولات استرجاع الوحدة الوطنية وإن تظاهرت عكس ذلك تماماً . قتلت واغتالت ودمرت كل فردٍ أو فئة أو زاوية في لبنان ، اقترب أو لامس حدود الوحدة والاتفاق أو نادى بها … كلنا يذكر قوات الردع العربية والقوات المتعددة الجنسية ونذَّكر بجنبلاط وبشير ورينيه والمفتي ! والعشرات بل المئات غيرهم !

الجميع يجب أن يتعلّم من دروس الماضي ، القريب والحديث ، فيدرك أن الشعوب تُعرف بأوطانها وليس بأديانها وبالتالي فإن الشعب اللبناني طالما عُرفَ باسم لبنان ولم يُعرف قط باسم دين . وما تسمية مسلم أو مسيحي ، في هذا الشعب إلاّ تمييز كلٍ منهما بوسيلة الاتصال بالخالق كيما ينير العقول ويفتح القلوب فيندفع إلى تحسين وتطوير وطنه خدمةً لمجتمعه في هذا الوطن أسوةً بباقي الأوطان . هنا ، وهنا فقط ، تستقيم الأمور وتنتفي مقولة صراع الأديان التي برع الجميع في استنباط الحجج لمعالجته .  

 

فالجميع يجب أن يستعيدوا التاريخ الجليّ فيرون إلى ما قادنا إليه هذا الذي يدعونه صراع أديان . أوليس من المخجل تماماً للجميع أن يثابروا على مثل هذه الوتيرة البائسة ؟ أوَليس من الأفضل أن يعودوا إلى أنفسهم فيتذكروا أن الأديان ، كافة الأديان ما كانت سوى وسائل إلهية من أجل خدمة الإنسان وتطوير وسائل حياته في الأرض ؟ وما ضرَّ الأديان أن يكون الإنسان ناجحاً في عمله الوطني والإنساني باستعماله مبادئها الإلهية التي تسمو به وتجعله أكثر مرونة وتعاون مع أخيه الإنسان ؟ فليكن صراع الأديان إذاً نحو بناء الإنسان الوطني الحر وليس استعباداً له وقيادته ، بسوء استعمال مبادئ هذه الأديان ، إلى تدمير حياته وبالتالي وطنه... ولا يجب في هذه الحالة توظيف الأديان في محاربة الإنسان الفاشل لأخيه الإنسان الناجح بل في تماثل ذلك الإنسان الفاشل بهذا الناجح وعكس هذا القول غير صحيح . هذا القول ينطبق على الشقيقتين لبنان وسوريا . والتماثل لا تفرضه القوة بل القناعة والتجربة والبرهان ...

 

* سؤال : هل ستبقى صفات الخيانة والعمالة تُصَبّ على رؤوس المطالبين بالحوار والمصالحة والوفـاق ، وصفات الوطنية والقومية تجلل هامات المتغنين بالأخوة السورية والمحتمين بها ؟

** جواب: إن صفات الخيانة والعمالة ، في نظر مفكّري وسياسيي العالم ، تُطلق في العادة على مواطن أو مجموعة مواطنين يتعامل أو يتعاملون مع الأغراب عن وطنهم طلباً لحمايتهم من قوة وجبروت السلطة في وطنهم أو دعماً لهم بقوتهم لتنفيذ مآربَ خاصة بهم في وطنهم ، لم يستطيعوا تحقيقها بقوتهم أو دبلوماسيتهم الذاتية أو بحسب القانون العام لنظام الوطن. وبمعنى أصَح، فئـةٌ فشلت ديمقراطياً في مناهضة الحكم ، الذي أمسى في نظرها دكتاتورياً ، لتحقيق مكتسبات خاصة ، فاستنجدت بالأغراب . هؤلاء يسمَّون يساراً .

كذلك ، هي صفاتٌ تُطلق على الفئة المنتفعة من النظام والتي يهمها الإبقاء على مكتسباتها الخاصة لدى أو في الحكم ، فتبادر إلى الاستنجاد بالأغراب لمناهضة الفئة الأولى حِفاظاً على نفسها . وهؤلاء يطلق عليهم تسمية اليمين .

 

من هنا ، لا نرى أن أحداً من اللبنانيين لم يصطبغ بتهم العمالة . فالمسلمون تعاملوا مع الفلسطينيين والسوريين والليبيين وغيرهم من العرب ، ضد أبناء بلدهم ، كما تعاملوا مع دول إسلامية مثل الباكستان والصومال وإيران وغيرها من مرتزقة الدول ، شرقية وغربية . وإذا ما غضضنا النظر عن التعامل ، الذي ربما أسموه تعاون ، مع العرب لأسباب قومية ولن نقول دينية ، فلا يمكننا القبول بعمالتهم للدول الإسلامية ؛ ولفهمنا تخوُّف المسيحيين وقناعتهم الأكيدة بأن عمالة مسلمي وطنهم لمسلمي العالم كانت من أجل اقتلاعهم من جذورهم كمسيحيين ، أكدتها يافطات الشارع الإسلامي في بدايات الأحداث " بدنا نحكي علمكشوف مسيحي ما بدنا نشوف " ، والفتوى القائلة بعدم جواز حكم المسيحي لمسلم بحسب السيد حسين القوتلي . أو في أدنى تقدير تحويلهم عن دينهم للقبول بعروبتهم ، كما أعلنها الزعيم الليبي معمّر القذّافي الذي قتل أو أخفى الإمام موسى الصدر لمجرّد أنه كان داعية وفاق بين مسيحيي لبنان ومسلميه .

 

وإزاء هذه العمالة المسلحة والمكشوفة ، التي بدأت تكتسح مواقع  ومشاعر مسيحيي لبنان ، لم يجد هؤلاء بداً من التعامل مع إسرائيل ابتداءً من الجنوب . لاسيما أن تخوّفُهم تأكدَ في دعوات الغرب لهم بترك لبنان ،،، نتذكر هنـا دين براون ! واللافت هنا أن المسيحيين لا يدينون بالدين الإسرائلي ، إن لم نقل على طرفي نقيض معهم ، حتى يُتهموا بالتعصب الديني كما هي الحال مع المسلمين ويبقى تعاملهم ، والحال هذه ، سياسياً ( وقد يجوز القول : عنصرياً – [ من ضمن تعددية عنصرية ] ).

 

لكن ما أن دخلت سوريا العربية على الخط حتى انفكت عرى التعاون مع إسرائيل وإن رويداً رويداً بالنظر لعوامل عدم الثقة التي أورثها التاريخ العربي الحديث ، أي منذ الاستقلال وما عاناه لبنان من سوريا وغير سوريا من تدخل واستفزاز للعصبية الدينية... ولا نرى ضروة لسرد ما هو معلوم من الجميع ، إذ لولا وطنية رياض الصلح وقوة أيمانه المسلم الحقيقي لما تمكن لبنان من الانضمام إلى الجامعة العربية .( أثبتت سوريا ، فيما بعد ، مصداقية المسيحيين في عدم ثقتهم بها ) .

 

نختصر الجواب لنقول: لماذا نتهم المسيحيين بالعمالة لإسرائيل ونطالبهم بالتكفير أو الهجرة والنفي والسجن ونطالب إسرائيل بتعويضات التدمير الذي ألحقته بلبنان بسبب تعاونها مع المسيحيين ( ومَن منهم لم يتعاون مع إسرائيل ... فلماذا الرجم بالحجارة والبيوت كلها زجاجية ؟ ) ولا نتهم المسلمين بالعمالة لدول العرب والإسلام .

 

* سؤال أخيرمن الماضي : إلى متى يبقى الحكم في لبنان يمارس سياسة التلطي خلف مظاهر ديمقراطية تُناقَض بأفعال دكتاتورية  ؟ بل متى وكيف تستعاد الديمقراطية ومعها لبنان ؟..

**  الجواب : عندما يقرر اللبنانيون وحدُهم أيَّ لبنان يريدون !..

1)      إلاّ أن القرار اللبناني ، في وجـود قِـوى الاستنجاد السابق ذكرها . لن يتم بالشفافية والمصداقية المطلوبة التي يجب أن تنبع من الذات اللبنانية وحدها ، وبكل تأكيد ليس تحت ضغوطات الذات الدينية أو القومية . فالذات اللبنانية النابعة من صفاء الولاء الوطني هي التي تحمي الذات الدينية وتنقيها من شوائب التطرف وكذلك تثبّت الأيمان بالانتماء القومي . إذ مَن يريد ذاته الدينية بإمكانه إيجادها مِن أو في أي موقعٍ في الأرض. ومن يريد إعلان انتمائه القومي يستطيع ذلك في وأينما وُجِد ، لكنَّ أحداً لن يمكنه إعلان ولائه لوطن إذا لم يكن هذا الوطن موجوداً .

 

2)      عندما وُجِدَ لبنان ، لم يكن دينه الإسلام أو المسيحية ، فقط ، وكما يؤكد المؤرخون ، كان لبنان أول من عرف الأيمان بالخالق الواحد الأعلى . لبنان هذا عاش آلاف السنين ، يدافع أبناؤه عنه ، وعن ولائهم له وانتمائهم إليه ، بشراسة بلغت حدود الانتحار ( تذكروا سيدة البحار صور ). أبناؤه ، الذين لم ينعتهم التاريخ قط بدين ، نشروا اسمه في الأرض وأسسوا فيها مدارسهم الفكرية والفلسفية والتجارية وحتى العسكرية ، انطلاقاً من ولائهم له وانتمائهم إليه وحده . ومن يريد التحقق مما نقول عليه اللجوء إلى كتب تاريخ الأمم القديمة والحديثة فيلاحظ أن رجالات لبنان المبرّزين في العالم ذُكِروا باسم وطنهم لبنان وليس باسم أديانهم فيقال: فلان ... اللبناني الأصل .

 

3)      لبنان ، عندما انتشرت فيه المسيحية لم يُسمى قط لبنان المسيحي ، بل اعتُبِرَ ملجأً لهم . وعندما أمَّه المسلمون، ومن على شواطئه أبحرت سفنهم الحربية ، التي صنعها لهم اللبنانيون ، لاحتلال العالم ، لم يذكر تاريخ لبنان المُدرَّس ، أن هؤلاء الصنّاع كانوا مسيحيين .

 

لبنان ، لم يضيِّع استقلاله إلا حين تدخّل الأغراب في أموره من مسلمين وصليبيين ومماليك وأتراك وأوروبيين. وحتى في أوّج فترات الصراع بين هؤلاء جميعاً ، احتفظ لبنان بذاتيةٍ لبنانية استمرت إلى نهايات القرن التاسع عشر وبلغت سطوته أقصى مداها حتى لُقِّبَ أميره بسلطان البر . ومع ذلك ، لم يذكر التاريخ قط أن لبنان هو وطن درزيّ أو مسلم أو مسيحي . ولعّل هذه السطوة التي أقعدت ولاة آل عثمان في سوريا عن المقارعة العسكرية فتحولوا إلى نخر الجسم اللبناني البريء بسوسة العصبية الدينية فذُرَّ قرنها تماماً وأدت إلى أكبر عملية استنجاد في تاريخ لبنان المعروف ، وخسر لبنان وحدته بجعلها في تصرف الأتراك وتحت رعاية دول الغرب . لكن هذه الوحدة ما عتّمت أن عادت في نهاية الحرب الكونية الأولى وأُنجزت في نهاية الحرب الثانية …

 

بوحدة دم الشهادة والولاء الوطني تم الخلاص ونال لبنان الاستقلال .

أيها السادة ،

لقد تبين لنا ، عبر تاريخنا الطويل ، أن التقصير السياسي كان يعالج بالاستفزاز الديني والعكس أيضاً صحيح . وحده الولاء للوطن هو المنقذ . والدين اشتراكية [ مشاركة ] من نوع خاص لا تحتجز بأوطان وكذلك الأمر بالنسبة للقومية . وعندما تُستنهَض القومية لا يجوز أن  يكون ذلك بسبب دينها ، وكذلك لا يجب أن تُستنهض الأديان بقوميات معتنقيها .

السبيل الوحيد لاستعادة لبنان من حكم الديكتاتورية الفعلية إلى حياة الحرية والديمقراطية هو في تنفيذ فعل الولاء الوطني وليس بالتظاهر به وإعطاء الدروس التلفزيونية فيه . أما الانتماء القومي فيجب أن يكون فعل أيمانٍ يعطى ولا يؤخذ ، فالإنسان قد يعيش دون انتماء ديني أو قومي وقد عاش قبل الأديان ، إلا أنه لن يرقى إلى مستوى المواطنة دون أي ولاءٍ  لوطن .

 

أيها السادة ،

إذا وُجِدَ شعب متخلّف لا يرغب أو غير متمكن من التطوّر: هل نتخلّف معه أم نسعى لتطويره ؟.. 

سؤال برسم من يدعي الذكاء وعقد اتفاقات التفاهم ؟

 

- أنتم تعلمون ، ونحن كذلك ، أن لبنان لن تستقيم أموره ويستعيد مثاليته في الديمقراطية ، رغم العيش المشترك بين فئـاته، طالما بقيت جذور الفتنة متأصلة في النفوس ومهما أُعلن من براءات الانتماء والولاء . وجذور الفتنة لن تستأصل طالما بقيت محركاتها الجاهلة فاعلة على الأرض ومؤثرة فيها . لذا يجب استئصال المحركات قبل الجذور ومنعها من ريِّ هذه الجذور تارةً بالدم وأخرى بالخداع والشوفينية الغبية .

 

- أنتم تعلمون ، ونحن أيضاً ، أن علاقة الشعب اللبناني بالشعب السوري كانت على الدوام مميّزة ولم تكن قط في حاجة إلى نصوص اتفاقيات . وأن الاتفاقات المعقودة بين الدولة اللبنانية والدولة السورية ، ما كانت سوى أكذوبة حقٍ سيُستَخرج منها الباطل ، وقد استُخْرِج .. 

 

أيها السادة ،

بعد الفشل الذريع في تطبيق " اتفاق الطائف" كما رغب فيه أو قَبِلَ به لبنانيون ، مسيحيون ومسلمون ، والذي أدى إلى ما أدى إليه من مصائب وويلات على البلاد والعباد وقادها الى شفير هاوية الانهيار الاقتصادي والتفكك الاجتماعي الذي يعيشه الوطن اليوم . وهذه الحالة لا ولم ولن يرضى عنها أي لبناني منذ بدء الانحراف الوطني الكبير وانجراف الجميع إلى سفسطائية الولاء والانتماء التي أدخلنا فيها التدخل غير اللبناني في أوقات وظروفٍ لم يكن لأحدنا مندوحة من الانخراط فيها، عن خطأ أم صواب ... ،

لقد مضىقرابة العقدين من السنوات على هذا الاتفاق المأمول آنذاك والمشئوم الآن ، بكل ما فيها من تجارب فاشلة أو مُفَشَّلَة لإنقاذ الوطن من أيدي العبثية والرياء والتكاذب لم نعشها أو نشهدها في أشد الأوقات ظلاماً أو ظلماً ..، وبعد ، فقد تخلي العالم كله ، عرباً أشقاء وأصدقاء عن حماية ذلك الاتفاق وعن تعهدات فرض تطبيقه سلمياً... وبعد أن شرب اللبنانيون المخلصون كأس اليأس حتى ثمالته من عودة وطنهم إليهم وعودتهم إليه وطناً كاملاً مميزاً بهم ولهم يستعيد إشراقاته في الشرق والغرب معاً ... ،

(نرى الجميع اليوم يحاول التشبث بهذا الاتفاق لأنهم لم يجدوا غيره سوى التشبث بآرائهم الخاصة المدمرة )

 

- أنتم تعلمون ونحن كذلك ، إن من أهم تداعيات اتفاق الطائف المشئوم هو تكبيل كل يد مخلصة عن عملية الإنقاذ ، لا بل من أهم نتائجه أن كافة ما امكن استدرار أموال من أجل الإنقاذ ( باريس1+2)، ذهب معظمها إلى جيوب المستفيدين من هذا الاتفاق، شئنا الاعتراف بهذا أم أبينا ليس هنا بيت القصيد ... فقط راجعوا الحسابات جيداً فتروا أن الاستفادة اللبنانية من جميع ما جنيت لا تتعدى ثلث مقاديره وربع الباقي ذهب إلى جيوب بعض السماسرة اللبنانيين وما تبقى ، وهو ثلاث أرباع الثلثين ، استفادت سوريا منه وحُمِّل اللبنانيون مسئولية هدره .

 

- أنتم تعلمون ونحن كذلك ، أن نهضة سوريا العمرانية الكبيرة لا يمكن أن تكون بنتيجة جهودها الخاصة بل هي نتيجة ابتزار الاقتصاد اللبناني بكافة مناحيه وأن ما أنجز من عمران في لبنان لا يتعدى النسبة التي أشرنا إليهـا . في الواقع لسنا ندري إلى أي درك من الانحطاط الأخلاقي وصل إليه زبانية سوريا المتشبثين بالكراسي حتى يروا إلى مصالح بلدهم تنحدر إلى هذا المستوى ولا يرفّ لهم جفن عين ؟ أتراهم عن المصير الوطني غافلين أم أن عمى الذهب قد أصاب بصيرتهم قبل بصرهم ؟

...  .  ...

 

 

 

 

الوفاق الوطني

-------

أيها السادة ،

طرحُ " ميثاق وطني لبناني " جديد يُقّدَّم إلى الشعب اللبناني من قبل ممثليه وحكومته ، هو مشروع وفاق وطني بكل ما في الكلمة من معنى سوف يعيد كافة الأمور الى مواقعها الأساسية ويقطع حبال التجاذب السياسي ذات الأطراف المتباعدة والمتقاربة ولكل منها أسبابها ومسبباتها . ويضع حداً لهذه الغوغائية البلهاء التي تقتل تدريجياً صحة الوطن السياسية والاجتماعية وسمعته العربية والدولية .

 

الوفاق الوطني الذي أُقْعِدَ رئيس الجمهورية أو أحجمَ عن المباشرة فيه لتحقيقه ، رغم أولويته في وثيقة الطـائف وفي رغبات الشعب ، تسبب إلى الآن بإحباط وطني شامل لا يمكن الاستمرار بتجاهله أو الادعاء الغوغائي بوجوده . ولو كان فعلاً تحقق لما كانت أصوات المرتزقة تعالت كلما طالب مُطالب به . وطالما بقي صوت واحد يطالب به فهو دليل واقعي لعدم وجوده ؛ فلماذا التلطي وراء الأصابع المنفرجة التي لا تخفي سوى صاحبها ؟ ولم نفهم قط أسباب تقاعس رئيس الجمهورية عن التصرف في هذا الشأن حتى بدا وكأنه ليس رئيس كل لبنان بل هو رئيس فريق واحد من اللبنانيين وهذا لا ينقصه الوفاق أو قد نتجرّء فنقول إنه لا يريد من تصرفه أن يتقاطع مع استراتيجية ميكيافللي أو استراتيجية سوريا وإسرائيل  القائلة بِ : فرّق تسد ... فـأبقى في لبنان.

 

أيها السادة ،

الادعاء بالوطنية ليس بالضرورة وطنية . فالذي يدّعي الوطنية عليه أن يضع مصلحة وطنه ومواطنيه ، جميع مواطنيه، فوق كل اعتبار ديني أو قومي آني أو مرحلي . فمن لا يحافظ على مواطنية مواطني وطنه لا يمكنه المحافظة على مواطنيته هو بالذات . والمواطن الصالح يدعو إلى تصحيح وطنية مواطنيه باتجاه الوطن الواحد قبل أن يدعو إلى الالتحاق بمواطنة عنصرية أو قومية شاملة .

وهكذا يرى اللبنانيون ويتأكدون ، كيف وإلى أي مدى بلغ التعنّث العنصري والصلف الدكتاتوري للدين والقومية والابتعاد عن ليونة الديمقراطية ، وأدى بالتالي إلى ما أدّى إليه من تنافر وتنابذ بين أبناء الوطن الواحد .

 

لهذا نرى ،،،

أن الوفاق الوطني الذي ندعوا إليه وإلى توثيقه بوثيقة " ميثاق وطني جديد " لا يلغي الانتماء الديني أو القومي بل يؤكده ويثبّته ويقوّيه ويضعه في المقام والموقع الذي يجب أن يكون فيه. فإذا ما اقتنعنا أن الوطنية هي النبع الذي يُستقى منه الولاء للوطن ، وأن حقنا في الانتماء العنصري والقومي يتقوّى بهذا الولاء ، آمنّـا أن الوطنية الحقيقية هي الركيزة بل هي الصخرة التي يتفجر منها نبع الولاء للوطن الذي يروي روافد عنصريتنا وقوميتنا؛ وهذا ما ندعوا إلى التوافق حوله والوفاق عليه . 

وإذا ما توفرت القناعة عند الجميع بهذه المبادئ بَطُلت حجج رجال الدين ومدّعي التديّن على حدٍ سواء للتدخّل في الأمور الوطنية من منطلقات محض دينية تحت شعارات القومية أو العنصرية وبالتالي تنتفي حوافر النعرات الطائفية التي يثيرها ذلك التدخل . بل الأكثر من ذلك، سوف يضعون أنفسهم في موقع المدافع عن الوطن وإرشاد أبنائه إلى وجوب بقائه ، وهذا الأمر ، في الوقع ، من أساس مهماتهم .

 

نسوق مثالاً على ذلك :

عندما تكلم البطريرك الماروني عن الوجود السوري وطالب بإنهاء دوره ، بحسب إتفاقية الطائف ، قامت القيامة ولم تقعد ولم يبقى شيخ أو شويخ ، سياسي أو متسيّس لم يُفتي برأي ضد البطريرك – وساهم بالطبع في هذه القيامة بعض المتحمسين من المسيحيين المنتفعين سورياً ، دام ذلك إلى الوقت الذي أشاد البطريرك بكلمة الرئيس السوري في إحدى مؤتمرات العرب فانقلب أولئك القادحين ، وبقدرة قادر ، إلى مادحين وبات البطريرك عنوان العروبة والقومية ولا ينفك صرحه ، الصيفي والشتوي ، يستقبل يومياً ، وفوداً يَعرُبية كانت إلى أمدٍ جد قريب من أشد المعارضين لكلامه .  

 

عمق تأثير سوريا ،،،

الغريب جداً أنه عندما تخطى السيد وليد جنبلاط الخطوط الحمر السورية وطالب ، بنعومة مميزة ، طالب بكف يد سوريا كانت دمشق وراء معاقبته ومقاطعته ، لا بل حجر كلامه ، ولم يجرأ أحدٌ من اللبنانيين على تناول موضوعه بالقدح أو الـذم... هم سكتوا وكأن على رقابهم سيف بن ذي يزن . فقط أشاوس لبنان ، دون السوريين ، يأخذون على عواتقهم مهام ليست لهم ولا من اختصاصهم ويختلقون كافة المبررات لكتم كل صوت لبناني حرّ باتجاه سياسة سوريا .

هناك ، بطبيعة الحال ، مئات بل آلاف الأمثلة يمكن سوقها في هذا المجال ، ما كنا لنعطيها التفاتنا لولا الحاجة إلى تظهير الأسباب التي تدعونا إلى وضع ميثاق وطني جديد يحدد دور الطوائف في الحياة السياسية ويعفيهم  إلاّ من دور الشورى الدينية التي هي واجباتهم قانوناً وتحجمهم عن التدخل في الشأن اسياسي .

هذا التدخل الذي تسبب إلى اليوم بكل العثرات والحروب التي دمرت الوطن وأركانه وجعلته مطيّة لكل قومي أو مدّعي قومية وذلك باستنهاض الهمة الدينية ، صغرى أم كبرى ، دفاعاً عن القضايا القومية بدل أن تكون الوطنية وحدها الهمة التي يجب أن تندفع تلقائياً في الدفاع عن القضايا القومية المحقة ، عن قناعة وأيمان وبقوّة الدولة ككل وليس بقوة فئة من شعبها دون الفئات الأخرى ، وهذه قمة الوطنية والقومية . على أية حال ، نحن نعلم أنه أحيانا متعددة ، ما كان لرجال الدين وقادته الروحيين أن يتدخلوا لولا أنهم لمسوا أو وجدوا في السياسيين المولجين الشئون الوطنية تقاعساً أو انفلاتاً في تصرفاتهم.

وعلى هذا يجب أن يُبنى الوفاق الوطني الجديد وعلى هذه المبادئ السامية يجب أن ينص الميثاق الوطني الجديد عليها . وبهذا يصل لبنان إلى قمة الرقيّ في تفكيره الوطني والديني والقومي وكلُ من هذه العقائد الثلاثة سوف يأخذ مكانه المخصص له والمميّز به .

فإلى متى تبقى القومية والعنصرية والطوائفية أهم من الوطنية  وأبقى ... هذا علمه عند ربكم !

... . ...

 

 

إقـتراح مبـادرة

------------

أيها السادة ،

للخروج من المأزق الذي بات مطلباً مزمناً ومن منطلق وطني وقومي لبناني ، وعربي إذا شئتم ، ندعوكم إلى القيام بمبادرة جريئة . ندعوكم إلى وقفة لتحمّل المسئولية الفعلية والمبادرة فوراً إلى وضع خطة عمل تكون استكمالاً لخطة عمل الاستقلاليين الأوائل وتمنعون تطاول أي قوي أو مستقوي على الوطن وتفرض أو تعيد فرض المبادئ الأساسية التي قام عليها هذا الوطن وتقضي على أية نوايا للهيمنة الطائفية او الديموغرافية الدينية عند أصحابها .

 

وجميع المخلصين باتوا الآن يدركون ، بعد التجارب المريرة التي مرّوا فيها ، أن لا الإسلام ولا المسيحية تقبل بغير المواطنة الصالحة الكاملة وأن ما يعيق تحقيق هذه المواطنة هو وجود بعض المتطرفين أو المتطفلين وذوي النوايا الآبقة بحق الوطن أو المنبطحة والمعتصرة في أيدي الأغراب ومدعي الأخوة القومية أو الدينية الذين لا هم لهم سوى تحقيق أحلام يقظتهم على حساب هذا الوطن الذي دفع من قلبه وجيبه وكرامته وسيادته الشيء الكثير دون أن يكون له حق الاعتراض والرفض . حقاً تخلى عنه بملءِ إرادته أو رغماً عنها .

 

أيها السادة ،

المبادرة المطلوبة لا يمكن توقع نجاحها ما لم تستعد الصيغة الوفاقية اللبنانية عناصرها . فالميثاق الوطني القديم تمت صياغته والتوافق عليه بين العائلات اللبنانية مجتمعة . والميثاق الوطني الجديد يجب أن يشمل قادة الفكر الوطني في العائلات اللبنانية كلها .

 

إن الثقة المفقودة هي عنوان كل ما يجري من مماحكات سياسية في البلاد اليوم والثقة المفقودة مع الآخرين . من هنا ، نأمل من وراء هذا خلاصاً لكل من لا زال إلى الآن يناوش ويناور لاستقطاع ما أمكن من جبنة الوطن تحت شارات متنوعة واتهامات رُفِعَ سقفها إلى المدى الأعلى . وبالتالي إفساح المجال أمام الجميع كي يجد المتنفَّس الطبيعي والموئل الأمثل لقبول دعوة العودة إلى الوطن ويستعيد . ومتى عادت الثقة تحت عنوان واحد موَّحد : ميثاق وطني جديد

...  .  ...

 

المبادرة المطلوبة

أيها السادة ،

المبادرة المطلوبة اليوم هي مبادرة استرداد الوطن إلى شعبه واستعادة الشعب إلى الوطن ، وتأتي في شقين متكاملين :

الشق الأول  : انتمائي وطني لبناني..................... وثيقة مثاق وطني ،

الشق الثاني : دستوري قانوني......................... تعديل الدستور الللبناني ،

 

لتحقيق هذا الهدف ، وبكل الشفافية التي عهدناها عند اللبنانيين الأصيلين ، نتمنى عليكم المبادرة فوراً الى إنشاء لجنة وفاق وطني تتألف من شخصيات لبنانية ذات مؤهلات علمية ( دستورية وتشريعية )، غير متطرفة وغير منحازة لغير الوطن يصار اختيارها من ممثلي الفئات اللبنانية الرئيسية في البلاد دعنا نسميها ، إذا شئتم : لجنة الميثاق الوطني .

يُطلب إلى هذه اللجنة اعتزال كل مهامها العادية لمدة ثلاثة أشهر كاملة والتفرّغ الكلي ويوكل إليها مهمة وضع ميثاق وطني جديد ودستور لبناني متجدد . يكون الميثاق الوطني ملحقاً دستورياً ، تلتزم به حكومات لبنان .

 

 ميثاق وطني جديد

---------

وثيقة ميثاق وطني جديد يتضمن المسلمات الوفاقية الوطنية اللبنانية الثابتة والمسلمات القومية المشتركة مع كافة الدول العربية دون تميـيز ، والمسلمات القانونية والانسانية المشتركة مع كافة دول العالم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة التي كان لبنان من أوائل المساهمين فيها وكذلك شرعة حقوق الإنسان وملحقاتها وتوابعها .

نحن دولة ذات سيادة لا ترتبط مع أية دولة أخرى إلا في المصالح القومية أو الاقتصادية مع إدراج علاقتنا مع بعض الدول باعتبار أنها "دولة أكثر رعاية" فقط لا غير دون أن نمنحها حق الوصاية الأمنية أو السياسية أو الاستراتيجية إذ أن الأمن يتغير بتغير ظروف كل دولة ، بعيدة كانت أم قريبة ، ونحن لا نريد أن نستعدي أية دولة من الدول العربية على غيرها بسبب انحيازنا إلى سياسة هذه أو تلك وأن الاستراتيجية يجب أن تنطلق من المصلحة الوطنية اللبنانية الخاصة فالقومية مشتركة بين جميع الدول العربية وليست منفردة .

 

      الميثاق الوطني الجديد سوف يأخذ بالاعتبار جميع القوانين المرعية الإجراء لدى الطوائف والمذاهب اللبنانية ، بحسب شرائعها ودون الخروج عن القانون العام ، ولا يجب أن يسمح لأحداها بالتدخل في تحديد سياسة الدولة بحسب منطوقها الديني الذي سوف يتقاطع حتماً مع غير منطوق لغير طائفةٍ ومذهبٍ كان ( سبق أن حصل ). لعلنا بهذا نسهم أكثر في عملية الانصهار الوطني الشامل والاستغناء عن الطائفية البغيضة من جميعنا . من هذا المنطلق سوف نجد أن موضوع التعايش أو العيش المشترك هو حقيقة واقعة لا داعي إلى استمرارية التحدث عنه واستغلال حيثياته . ويستغني الجميع عن استعمال سُبل الاستنجاد بالغير .

      الانصهار الوطني لا يمكن إجازه كلياً إلاّ متى شارك فيه جميع من شارك في حروب لبنان التي كان كل فردٍ أو فئةٍ منهم تدافع عن لبنان بحسب عقيدته السياسية والوطنية معاً وبالتالي لا يمكن استبعاد أيٍ مِن مَن كان له أي نوع من أنواع الاستنجاد بالغير، عرب وغير عرب وكذلك من إسرائيل إذ أن هذا الاستنجاد لو جرى المقولة المأثورة "عدو عدوك يصبح صديقك ، تكون مقبولة وغير مستهجنة . فكا استنجد البعض بالشرق وأتبع سياسته كذلك استنجد البعض الآخر بالغرب وربيبته . وانطلاقاً من هذه المقولة لا بدّ أن يُصار إلى إصدار عفوٍ عام جديد لا يستثني أحد من هؤلاء إذ لا يجوز أن يُطبّق العفو العام الذي صدر في عهد وصاية سوريا لم يكن ليأخذ بالحسبان سوى أتباعها والموالين لها .

...  .  ...

 

تعديل الدستور

أما آن الآوان أن تصار مراجعة كاملة وهادئة ، وليس تحت ضغط أية ظروف ، للدستور اللبناني؟..

 

أيها السادة ،

وثيقة الميثاق الوطني الجديد سوف تفرض تعديلات في نصوص الدستور اللبناني القديم الذي عُمِلَ به طوال الفترة الواقعة بين الاستقلال ومنتصف السبعينيات ، أي الوقت الذي أخذ اللبنانيون ، يدفعهم الخداع القومي من قبل سوريا والسراب الطائفي ، بالابتعاد عن الميثاق الوطني القديم . وكذلك الدستور اللبناني المعدل بوثيقة الوفاق الوطني الناتجة عن اجتماع الطائف .

 

أثبتت وقائع وحقائق التنفيذ ، بما لا يقبل الشك ، أن الخلل " النظري" الذي كان يتضمنه الدستور القديم لا يقاس بما تضمنه الدستور المعدل من خللٍ فعلي ، إن من حيث التطبيق العملي أو التفسير النظري . أصغر مثال على ذلك : إن الدستور القديم ، على علاّته كان يوفر للبلاد رأساً واحداً كان قادراً ، إلى حدٍ ما ، أن يحكم البلاد ، في حين أن الدستور الجديد قد وضع لها ثلاث رؤوس ليس لأحدهم سلطة حكمٍ فعلية للبلاد .

 

لذلك نرى أن على اللجنة ، في هذا المجال ، أن تخصص الوقت الكافي لإعادة النظر بِ " شمولية " في نصوص الدستـور، في تجربتيه الأولى والثانية والخروج بنصٍ علمي حديث يأخذ بعين الاعتبار كافة الشوائب التي اعتورت التجربتين السابقتين، ومن ثم وضع التفاسير الضرورية لمنع الاعتداء مستقبلاً على النص الجديد وتأكيد عدم جواز أي تعديل إلاّ في حالات جد استثنائية ، والتي لا يمكن خلقها كلما عنَّ لأحد السياسيين أوالمسئولين في الدولة ابتداعها .

 

في هذا السياق سوف يتحتم على اللجنة الدستورية إعادة درس كافة الاقتراحات الدستورية ، بما فيها وثيقة الطائف ، والتي وضعتها قوى الأمر الواقع التي كانت ، أثناء الحرب ، مسيطرة على البلاد . وذلك للاستفادة من خلفيات ومرامي أصحابها وعدم الوقوع في فخاخ المستفيدين منها ( دولاً كانوا أم أحزاب دينية أو سياسية أو حتى ذات أبعاد عنصرية أو قومية ) ، إذ بجوجلة كل تلك المقترحات يمكن الوصول إلى عصارة أفكار كل هؤلاء وبالتالي تتمكن اللجنة من وضع الاحتياطات الدستورية والقانونية الأرقى والأفضل التي لن يتمكن أيّ من هؤلاء معها من الادعاء بعدم احتساب حقوقه ... شريطة أن يكون حق الوطن هو الأول والأخير .

...  .  ...

 

الميثاق الوطني وثيقة دستورية لبنانية

 

إذا ما ترافقت وثيقة الميثاق الوطني الجديد مع وثيقة الدستور اللبناني المتجدد ، كما حصل بعد وثيقة الطائف ، سوف نضع عجلات قطار بناء الوطن الحقيقي ، الذي يتوق إليه كل اللبنانيين في العالم ، على سكة الطمأنينة ويعود اقتصاد لبنان إلى الاندفاع مجدداً.

 

لماذا وثيقة ميثاق وطني جديد ودستور لبناني متجدد ؟

الجواب على هذا السؤال هو:

إن ما سوف تتضمنه وثيقة الميثاق الوطني الجديد من أمور لبنانية بديهية تتعلق بالتوافق على المسلمات الوطنية والدينية والقومية تعني اللبنانيين وحدهم وعلاقة فئات الشعب اللبناني ببعضها من خلال هذه المسلمات تبقى أموراً داخلية ليس من اللائق إدخالها في نصوص الدستور اللبناني .

ونصوص الدستور يجب أن تبقى في منأى عن تناول خاصيات وبديهيات المجتمع اللبناني التي يجب أن تبقى من اهتمام القوانين القضائية المدنية العامة والطوائفية الخاصة .

 

* الميثاق الوطني اللبناني الجديد سوف يُعتبر ملحقاً دستورياً ، مع كونه أساساً لوضع الدستور ، تماماً كما كان شأن الميثاق الوطني القديم الذي اعتبر ميثاق شرف وطني " غير مكتوب " جرى اعتماده من قبل جميع فئات الشعب اللبناني وطوائفه بعيد وضع الدستور اللبناني القديم وكان الدائرة التي ضمنها مورِسَ العيشُ المشترك بكل الصدق والثقة المتوفرة في الشعب آنذاك .

 

* الميثاق الوطني غير المكتوب كان الوسيط الذي ثبّت العيش المشترك مع كافة تقاليد وتراثات الفئات اللبنانية تاركاً للسياسيين مهمات وضع القوانين الضرورية لتدبير أمور المجتمع اللبناني . لكن مع الأسف ، لدى أول تدخل للأغراب في شئون اللبنانيين الداخلية ، تخلخلت الثقة وغاب الميثاق وصار التطاول على الدستور وضُرِبَ اللبنانيون في عمق عيشهم المشترك فتشتتوا أيدي سبأ. السبب الرئيس في هذا كان عدم توثيق ذلك الميثاق والاكتفاء بكلمات الشرف التي اهتزّت لدى برز أول تطرف ديني إذ اعتُبِرَت كلمة الشرف الوطنية تلك نوعاً من تخلي عن قيم دينية – قومية .

 

والميثاق الوطني الجديد ، في رأينا ، يجب أن يوَثّق بتواقيع القادة الروحيين ، قبل السياسيين ، لدى جميع الطوائف والمذاهب الدينية الرئيسية في البلاد وذلك تأكيداً على صيانة حقوق طوائفهم ومذاهبهم الدينية ضمن القوانين المدنية وبحماية الدستور . وقد أثبت التاريخ الحديث أن رجال الدين هم كانوا ولا زالوا الملجأ والمحرك الأول والأخير لمشاعر الشعب لدى الشعور بالغبن أو الحرمان أو السيطرة . ومتى نالت الطوائف حقوقها ، بحسب قوانينها الخاصة ، تنتفي كافة تلك الحجج التي إذا ما تعمّق رجال الدين في مضمونها ، بواسطة المنطق ، لَوَجَدوها تدعو إلى غير إليه يدعون .

وفي هذا تتساوى جميع الطوائف ، كَثُرَ أم قل عددها ، وينطلق السياسيون ، الذين ينتمون إلى هذه الطوائف ، في مهمات تطوير الوطن ، ليس من أجل طائفة من طوائفهم ومصالحها بل من أجل الوطن بجميع أبنائه . وبالتالي ، لن يحتاج زعيم سياسي في طائفةٍ ما ، كَبُر أو قل عديدها ، أن يُسْتَغل أو يستغل طائفته للوصول إلى أغراضه وأهدافه السياسية .

...  .  ...

 

اقتراح مواد دستورية ،

 

أما الدستور اللبناني المتجدد فليس أسهل من الموافقة عليه لإقراره في البرلمان اللبناني بعد توافق الطوائف على المسلمات الوطنية والدينية والقومية في وثيقة الميثاق الوطني الجديد .

 

والاقتراحات التي نرى أنها مفيدة في هذا المجال الدستوري هي :

·        إقتراح إنشاء مجلس شيوخ لبناني يضم شخصيات حكيمة من كافة فئات الشعب اللبناني بمن فيهم ممثلين عن الاغتراب اللبناني .

·        أن تكون فترة الرئاسة لمدة أربع سنوات ، قابلة للتجديد فترة واحدة فقط بواسطة الانتخاب ، على أن يكون انتخاب الرئيس العتيد بناءً على برنامج عمل لنهجه يُحاسَب عليه . في هذا ، يكون على الرئيس إثبات جدارته الوطنية في إدارة شئون البلاد وتنفيذ برنامجه وإلاّ خسر ثقة الشعب ولهذا الشعب حق طلب إقالة هذا الرئيس ، بواسطة البرلمان ، إذا أخلّ بواجباته الدستورية .

·        تحديد فترة رئاسة مجلس النواب بسنتين على ألاّ يُصار تجديدها سوى مرة واحدة فقط ولمدة سنة واحدة .  فلا يتزامن إنتهاء فترة رئاسة المجلس النيابي مع إنتهاء فترة رئاسة الجمهورية إلاّ كل ثماني سنوات .

·        اختيار رئيس حكومة لبنان يجب أن يكون توافقياً بين رئيس الجمهورية والمجلس النيابي وليس إلزمياً . فالثقة التي يطلبها رئيس الحكومة من المجلس النيابي تكون بمثابة تبنيّ تنفيذ برنامج عمل متكامل مع برنامج عمل رئيس الجمهورية فلا تتقاطع مهام كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. ( نظام شبه رئاسي ) .

وأختيار الوزراء يتم بالتوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وعلى أساس الكفاءة المتوفرة لدى جميع اللبنانيين ولخدمة كل لبنان . ( مع المحافظة آنياً على المناصفة الطائفية إلى أن تلغى نهائياً ) . وكل قرار يتخذ في مجلس الوزراء لا يكتسب قوة التنفيذ ما لم يوافق عليه رئيس الحكومة والوزير المختص ، وليس الحكومة مجتمعة إلاّ في حالات استثنائية ، ويقتنع به رئيس الجمهورية أو يردّه في فترة زمنية محددة .

·        زرع فكرة الحياد الإيجابي دون التخلي عن الفكر القومي . بمعنى أن أن يكون حيادياً في الصراع الدولي وإيجابياً في تعاونه المتوازن مع الدول العربية إذ بقدر ما هو مدعو إلى الدفاع عنها في الملمات القومية ، عليها أن تدافع عنه في ملماته الوطنية . وليس من المنطق بحال أن يبقى لبنان وحيداً في حمل مسئولية الدفاع عن كل قضية عربية منفرداً . ولا ضرورة لقيام علاقات خاصة بين لبنان وأية دولة عربية أخرى إذ تتساوى أهمية هذه الدول لديه .

·        أن يصار إلى استفتاء شعبي عام على الأمور المصيرية والدستورية إذ لا يجب أن تكون هذه القرارات في يد مجموعة من النواب أو الوزراء أو حتى رئيس البلاد وحدهم سيما وأن مثل هذه الأمور تتعلق بالأمة اللبنانية بأكملها .

 

ملاحظة خاصة :

إن ما جاء في قانون الانتخاب المقترح مؤخراً جاء مشجعاً لآمال المغتربين في العودة إلى وطنهم وهم على أية حال لم يطالبوا بسوى تأكيد إنتمائهم إلى هذا الوطن وتثبيتاً لولائهم غير المنقوص لـه وبالتالي فإن مشاركة المغتربين في الأمور الوطنية من منطلق ممارستهم للحرية والديمقراطية التي طالما مارسوها في مغترباتهم سوف يشجع ويساهم في تثبيت هذه الحرية والديمقراطية وممارستها من قبل أخوتهم المقيمين في الوطن . نأمل أن يتم تثبيته نهائياً .

 

 

صانك الله ... لبنان .

 

لاحظ حداد

مؤسس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم –  في نيوزيلندا