2500 لبناني في اسرائيل يتوقون إلى أرضهم

المطران بولس صيّاح: عرقلوا عودتهم لأسباب سياسية

النهار 11/1/2007

عشية الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب كان عدد الموارنة في الاراضي المقدسة لا يتجاوز بضعة آلاف يتوزعون بين حيفا ويافا اللد والجليل الاعلى وبيت لحم الى بعض رعايا في الاردن، لكن نزوح أفراد "جيش لبنان الجنوبي" وعائلاتهم الى الدولة العبرية، رفع عدد الموارنة الى نحو عشرة آلاف مما اضطر راعي ابرشية الاراضي المقدسة للموارنة المطران بولس صيّاح الى القيام بجهد كبير لاستيعاب القادمين الجدد والقيام بما امكن لتنظيم اقامتهم ومحاولة اعادتهم الى لبنان.

ست سنوات مضت على النزوح الكبير الذي شمل 7500 من الرجال والنساء والاطفال، ورغم مرور الزمن على تلك الاحداث وكثرة المشكلات السياسية في لبنان وتعقدها، الا ان المطران بولس صياح لم يفقد الامل في عودة من تبقى من اللبنانيين في اسرائيل وهم نحو 2500 شخص، بينهم 60 في المئة مسيحيون وهم في اكثريتهم الساحقة من الموارنة ومن بلدة القليعة قرب مرجعيون تحديدا، الى آخرين من ابناء الطائفتين الشيعية والسنية، واضطرتهم الظروف الى التأقلم مع الوضع الجديد المعقد في المجتمع الاسرائيلي، لذلك وضعوا كل ثقتهم في راعي الكنيسة المارونية في الاراضي المقدسة لعله يستطيع اعادتهم الى بلدهم الأم.

يروي المطران صياح قصة اللبنانيين اللاجئين في اسرائيل والالم يعتصره لحجم معاناة مئات العائلات التي انساقت بغريزة الخوف من المجهول، فإذا بها وسط دوامة كبيرة من الضياع والتشتت نتيجة انعدام المرجعية الوطنية المسؤولة في لبنان والتي يمكنها حل هذه المشكلة الانسانية قبل ان تكون سياسية. ولذلك لم يتردد المطران الذي يتخذ من دير الموارنة في القدس القديمة مقرا لأبرشيته في الاتصال بمختلف الاطراف، وهو زار الجميع قبل الانسحاب السوري وبعده لكنه لم يجد اذانا صاغية، ووصلت جولته الى النائب العماد ميشال عون وشرح له اهمية عودة اللبنانيين من اسرائيل، وبالفعل ذهب عون الى مجلس النواب، وطالب بشجاعة في اول كلمة له في المجلس بعودة هؤلاء وحل قضيتهم اضافة الى قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، لكنها كانت المرة الاولى والاخيرة التي اثير فيها هذا الموضوع نيابيا ليدخل دائرة النسيان.

 

استمرت الامور على ما هي عليه، الى ان كان توقيع مذكرة التفاهم بين "حزب الله" و"التيار العوني" والتي كانت عودة اللبنانيين من اسرائيل احد بنودها، وتشكلت لجنة لمتابعة الموضوع مع المعنيين في الادارات الرسمية. واستنادا الى مطران القدس فقد جرى الاتفاق وبمعرفته على فصل ملفات العائلات والمدنيين والجنود والضباط السابقين الذين ارسلتهم الدولة اللبنانية بموجب مذكرات خدمة عسكرية الى الجنوب للدفاع عنها، عن ملفات المتورطين امنيا. وكان يفترض ان تعود اعداد كبيرة من اللاجئين الى اسرائيل بأقل كلفة ادبياً ومعنوياً، لكن تدخل السياسيين أحبط المحاولة على ما قال المطران صياح الذي يتهم السياسيين بادخال موضوع اللاجئين اللبنانيين في بازار السياسة اللبنانية ولعبة شد الحبال من خلال الاصرار على العفو العام عن الجميع دفعة واحدة، هو أمر ليس ممكنا.

ويشرح مطران الاراضي المقدسة ان الترويج للعفو العام غير واقعي، بسبب حجم الملفات المطروحة وتعقيدات الوضع اللبناني و"لأن السياسيين الاخرين اعتقدوا ان ميشال عون سيقطفها، في حين ان المسألة اكبر من ذلك بكثير ونحن نتحدث عن مصير آلاف من الاطفال الذين تراوح اعمارهم ما بين 6-10 سنين والذين انتزعوا من بيئتهم الطبيعية في القرى والبلدات اللبنانية واجبروا على اللجوء مع اهاليهم الى بيئة مختلفة تماما، دينيا وثقافيا ولغويا وحضاريا". ويروي ان الاطفال لا يتحدثون العربية في المدارس حيث يمضون غالبية وقتهم نتيجة ذهاب الاهل الى العمل لتحصيل قوتهم واعالة عائلاتهم التي تتوزع في غالب الاحيان بين جنوب لبنان والدولة العبرية.

 

نظمت المطرانية ثلاثة مراكز لتجمع اللبنانيين في اسرائيل، مركز عكا ويشمل نهاريا وكرمائيل، مركز طبريا ويشمل المقيمين في انحاء طبريا والمنطقة الوسطى من اسرائيل، ومركز ثالث في كريات شمونة يضم المقيمين في الجليل الاعلى وجوار الحدود مع لبنان وغالبيتهم من بلدات القليعة ومرجعيون وحاصبيا. وحاولت ايضا تشكيل لجنة لكن الادارة الاسرائيلية "فرطت" المشروع، واستنادا الى المطران بولس صياح فقد كان البديل ارسال الراهبات والكهنة من جمعية المرسلين اللبنانيين لزيارة الرعايا اللبنانيين في اسرائيل ورعايتهم، وخصوصا ان اللاجئين تأقلموا شكليا وانخرطوا في نظام الضمان الاجتماعي والتربية واصبح بعضهم من اصحاب الاستثمارات يرسل الاموال والمساعدات الى لبنان والصامدين في القرى. ويضيف المطران صياح: "الا ان وضعهم النفسي صعب جدا اذ لا يستسيغ اللبنانيون العيش حسب العادات الاسرائيلية ونمط العيش الذي يختلفون معه تماما".

 

يتعاطى مطران الموارنة في الاراضي المقدسة مع اللبنانيين جميعا دون تمييز بين مسيحيين وشيعة ودروز، وهو عاتب على السياسيين لأهدارهم فرصة كبيرة امام عودة قسم كبير جدا من اللاجئين الى لبنان واهمالهم هذه المسألة الخطيرة، ويروي ان كل المسيحيين في الاراضي المقدسة من الاردن الى فلسطين واسرائيل "عينهم على لبنان" وما ستؤول اليه احوال المسيحيين فيه وكأنها اخبارهم "ولكن المشكلة ان اللبنانيين والمسيحيين تحديدا لا يدركون هذا الامر ولا يعرفون معنى ما يقومون به وارتداداته السلبية والايجابية على الآلاف من المسيحيين في محيط لبنان".

 

وعن هذا المحيط يقول المطران بولس صياح انه يتحاشى الاجتماعات مع السياسيين الاسرائيليين رغم معرفته انهم يتابعون وضع لبنان بدقة في الوقت الذي يحتفظون فيه جميعا بعلاقات جيدة مع سوريا، وهم وللمرة الاولى في تاريخهم يريدون الاندفاع في علاقاتهم مع سوريا الى العلن، لكن الادارة الاميركية تعارضهم في ذلك(...).

 

وفي انتظار السلام وظهور العلاقات الايجابية السورية - الاسرائيلية في شكل رسمي بعيدا عن الموانع الاميركية، ينصب اهتمام مطران الموارنة في القدس على متابعة وضع 2500 لبناني لاجئين في اسرائيل وحفظ شخصيتهم اللبنانية في انتظار عودتهم الى لبنان.