أكد أن لائحة المعتقلين تطول يوميا والآمال معلقة على التبني الدولي للقضية

غازي عاد لـ "السياسة": سورية حكمت لبنان بالاعتقال والتعذيب والإبتزاز المالي والسياسي

بيروت من سوسن بو كروم: السياسة 18 تموز 2005

رغم أن المؤشرات الحسية على خروج المعتقلين اللبنانيين من السجون السورية او حتى على طرح القضية بشكل جدي من قبل الجانب السوري لا تزال غير واردة على الاقل في العلن.

ويشعر أهل هؤلاء المفقودين لا سيما الامهات اللواتي امضين ثلاثة اشهر على اعتصامهن امام مبنى الاسكوا في بيروت ببصيص امل يتمثل بالاهتمام الدولي بالقضية التي كانت ولوقت ليس ببعيد من المحرمات.

اما وان الخروج السوري قد تم, ينتظر اللبنانيون فتح ملف المفقودين الذي اصبح يضم حتى الان 750 اسما بعضهم لا تزال اثاره مفقودة والبعض الاخر تأكد وجوده في السجون السورية وكان اخر المفرج عنهم منذ تسعة اشهر وهو من جنسية عربية غير لبنانية الذي زار لبنان منذ ثلاثة اسابيع قد اكد انه رأى او تحدث الى بعضهم كما وصف لامهات واقارب المخطوفين بعض التفاصيل حول حالة ابنائهم.

ماري بابيكيان التي ذهب ابنها نوبار ابن الواحد وعشرين عاما الى العمل عام 1983 ولم يعد, ترى في كلام ذلك المفرج عنه تجديدا لحلمها برؤية ابنها حيا وان يكون حظها افضل من حال والده الذي مات قبل ان يرى ابنه, ومثلها صونيا عيد والدة المعتقل جهاد عيد الذي خطف منذ خمسة عشر عاما اي عام 1990 في منطقة الحدث.

وكما اوضحت عيد كان جهاد في الجيش من انصار العماد ميشال عون وقالت ان الجيش السوري خطفه واخذه اولا الى البوريفاج ومن ثم الى عنجر, "وقد أكد لنا في وقتها اثنان من المفرج عنهما انه في عنجر لدى السوريين".

وتضيف صونيا وبعدها نقل الى سجن المزة في سورية تمكنت من الحصول على تصريح زيارة سرية وتمكنت من رؤيته وكان مربوطا بحبل واحد مع اكثر من عشرين شابا ببعضهم معصوبي الاعين وفي اللباس الداخلي التحتي فقط, "وكل واحد يقع يضرب اما بالكرباج او بحذاء الحارس" وعندما اردت ان اناديه كي يراني لم تساعدني قواي وهويت على الارض لكنه لم يرني. وحتى الان لم اتمكن من رؤيته والمعلومات تردنا عنه كما غيره من المعتقلين في السجون السورية, وطوال هذه الفترة لم نترك اي موقع او اي جهة لمساعدتنا لكننا لم نتوصل الا الى تعبئة الملفات لكن احدى اللجان السابقة التي تشكلت للنظر بالقضية تمكنت من تأكيد وجود 97 معتقل بينهم ابني جهاد.

فاطمة موسى عبد الله شقيقة المخطوف علي موسى عبد الله تروي بدورها روايتها عن اخيها الذي خطف عام 1981من منطقة الكولا على يد المخابرات السورية والتي لن تسلم عند محاولتها رؤية اخيها للمرة الاولى عندما كان ما يزال في لبنان من الضربات " تعرضت لضربات باسفل السلاح وطردت الى الخارج وكان صوت صراخه عاليا ويسمع الى الخارج". بعدها اخبرونا انه اصبح في الشام ولم يسمح لنا برؤيته وكما الباقين نسمع عنه من قبل المفرج عنهم وكان اخرها عام 2000 حيث اكد احد المفرج عنهم من سجن تدمر انه كان معه فذهبت لاراه لكنني لم استطع, لكن احد المسؤولين في السجن قال لي بان اتي باغراض خاصة لاخي كان طلبها بنفسه وقد قال لي هذا الشخص ان اخي طلب سترة النوم المرسوم عليها العاب وهو كان يحب هذه السترة كثيرا واشياء اخرى ومواد غذائية وهكذا تأكدت من انه هناك بوصفه ثيابه التي طلبها, ولكنني لم اره ابدا, والغريب في الامر انني ذكرت امام احد عناصر المخابرات السورية منذ اقل من شهر انني زرت اخي فقال لي "لم يأتِ علي اي زيارة اثناء وجوده في سجن صيدنايا اخاك لم يتلق اي زيارة". والدة علي على فراش الموت تنتظر ابنها وتؤكد للذين ينتظرون يومها الاخير انها لن تموت قبل ان ترى علي ولن اضيف اي شيء اخر.

ماريندا رومية من الرياق خطف ابنها منذ 27 عاما وكان عمره 17 عاما بتهمة حيازته على بطاقة حزبية "لكنني لم اعرف انه كان يوما منتسبا الى اي حزب وتمكنت في السنة الاولى من اختطافه حيث كان ما يزال محتجزا على الحدود بين لبنان وسورية من رؤيته مرارا وما زالت حتى الان تحفر في ذاكرتها عبارته البريئة "يا امي خلصيني فانا لم اقتل احدا".

بطرس خوند, جورج رياشي واخاه طوني رياشي وابن عمهما منصور ومئات الاسماء نسمعها يوميا كلهم اختفوا ولم يسمع عنهم اهلهم شيئا الا من المفرج عنهم لكن السؤال الذي ساله المفرج عنه "العربي الجنسية" اتسألون عن مئات بل اسألوا عن الاف من المساجين اللبنانيين هناك? تطرح اكثر من سؤال حول العدد الدقيق للمعتقلين وظروف واسباب اعتقالهم لن يسال عنها احد في حال الافراج عنهم هذه هي الرسالة الموحدة التي وجهتها المعتصمات امام الاسكوا. واكدن ان الاعتصام مستمر حتى الافراج عن ابنائهن.

من جهته رئيس لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد) غازي عاد في حوار مع "السياسة" حول مستجدات القضية جدد المطالبة بانشاء لجنة دولية واسعة الصلاحيات للنظر في القضية, وابدى تفاؤلا بالتحرك الدولي والتحرك المحلي والضغط باتجاه ان تتبنى الامم المتحدة القضية, وانشاء لجنة كما انشأت لجنة للقرار 1559 واخرى للتحقيق باغتيال الرئيس رفيق الحريري. وراى ان الامور تخطو باتجاه تدويل هذه الازمة الا اذا احب السوريون القيام بخطوة تحفظ ماء الوجه وان ينزل الوحي على القيادة السورية وتسعى نحو اقفال هذا الملف. واكد ان اللجنة تسعى لتجييش اكبر كتلة نيابية باتجاه المساعدة في هذا الملف "ونحن نسمع وعودا نتمنى ان تترجم عمليا".

وحول عدد المعتقلين او المفقودين الذين تم تسجيل اسمائهم لدى اللجنة قال عاد انطلقنا في الاعتصام امام مبنى الامم المتحدة بلائحة من مئتي وثمانين معتقل لكن مع خروج الجيش السوري من لبنان وتغير الاوضاع الامنية من ناحية خفض قبضة المخابرات السورية مما سمح للناس بالتكلم جاءنا اسماء يعود تاريخ خطفها الى سنوات طويلة لم يكن اهلهم يجرؤون على التحدث عن ابنائهم نظرا لقرب سكنهم من مراكز المخابرات السورية او في منطقة تقع تحت السيطرة السورية لذا ارتفع هذا الرقم الى 620 اسما وما زالت الطلبات تقدم من قبل اشخاص جدد ولكل واحد منهم اثبات او دليل على ان السوريين هم المسؤولون عن عملية خطف قريبهم.

واخر شخص اعتقل وسجل لدينا هو قيصر زعيتر الذي اعتقل قبل شهرين من الخروج السوري من لبنان وتم الافراج عنه بعد شهرين ونصف فقط على اعتقاله, وكان احتجز في سورية لكنه لم يتحدث عن اي معلومات جديدة بخصوص المعتقلين.

اما الذي ساعد على تأكيد وجود بعض المعتقلين في السجون السورية هم الاشخاص المفرج عنهم الذين تحدثوا عن مكان اعتقالهم ومن كان معهم وهذا ساهم في التأكيد على وجود عدد كبير من اللبنانيين في السجون السورية. واضاف انه في الفترة الاولى التي تلت الخروج السوري من لبنان وظهور بعض المفرج عنهم على شاشة التلفزيون كان هناك شعور بالرعب حول الموضوع وحصلت بعض المضايقات وتهديد عبر الهاتف لبعض المفرج عنهم من قبل اشخاص غير معروفين لكن ذلك لم يستمر طويلا وبعض المتصلين كانوا يتحدثون باللهجة اللبنانية وبعضهم باللهجة السورية "ولا يمنع ان يقلد اللبناني لهجة السوري او بالعكس". كما حصل نوع من الملاحقة عدا عن تواجد بعض افراد المخابرات اللبنانية في الاعتصامات الكبيرة, واحد المفرجين عنهم اوقف لاكثر من يوم من قبل اجهزة المخابرات اللبنانية بتهمة "انه يطوِّل لسانه" ومن ثم افرج عنه واتصل بنا واخبرنا انه هدد بالعودة الى السجن واعتذر عن متابعة المشاركة في الاعتصام.

واحد المفرجين عنهم وهو من جنسية عربية غير لبنانية وكان سجن لمدة ثلاثة وعشرين سنة جاء الى لبنان وزار المعتصمين في الاسكوا ورأى الاسماء والصور وتعرف على الكثير من الصور الموجودة واكد وجودها في السجون السورية.

وقال عاد انه في الرابع من مايو الماضي وبعد زيارة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الى سورية ولقائه نظيره السوري محمد ناجي العطري وخروجهم ببيان مشترك يعلن عن انشاء لجنة سورية لبنانية مشتركة للبحث في القضية, فوجئنا بحديث صحافي لاحق للعطري يقول فيه او يعترف بوجود لبنانيين معتقلين في سورية منذ العام 1976 لكنهم ارهابيون دون ان يحدد عددهم, لكن من جهتنا نظرنا للتصريح من ناحية ايجابية ولم ندخل في جدل حول توصيف المعتقلين علما ان الامر يعود الى القانون اللبناني لتصنيفهم وهو الذي يحكم عليهم, لكننا نراه ايجابيا كونها المرة الاولى التي نسمع بها اعترافا رسميا سورية بوجود لبنانيين معتقلين في السجون السورية.

وكان عتبنا على الدولة اللبنانية انها يجب ان تسارع وتطالب بلائحة مفصلة باسماء هؤلاء "الارهابيين" واماكن وجودهم والتهم الموجهة اليهم والاحكام الصادرة بحقهم لكن هذا لم يحصل واكثر من ذلك بل انتظرت الدولة اللبنانية شهرا كاملا من بعد تصريح العطري لتشكل الجزء اللبناني من اللجنة المشتركة لكنها شكلت خلافا لما طالبنا به رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل, وكانت مطالبنا واضحة ومحددة بان تكون اللجنة بمعايير دولية وان يضاف اليها اشخاص مستقلين واحد افراد لجان الاهل ومن المنظمات العاملة على الملف ومن الصليب الاحمر الدولي ومن الامم المتحدة ومراقبين محايدين واعطاء هذه اللجنة الصلاحيات القضائية الكاملة للتحقيق والاستجواب وهذا لم يحصل بل كان رئيس اللجنة النائب العام التمييزي القاضي جوزيف معماري ويسانده المدعي العام العسكري القاضي جورج رزق ووجود ضابط من قوى الامن الداخلي العميد علي مكي وامين سر اللجنة الاستاذ عبد الحفيظ عيتاني, وهؤلاء الاربعة يمثلون اللجنة الرسمية ومن هنا نفهم انها لم تشكل وفقا للمعايير التي طلبناها وثانيا لم تعط الصلاحيات لان صلاحياتها عامة.

والسؤال الموجه الى هذه اللجنة هو ان طلب اليها التحقيق مع اي شخص معني بالاخفاء القسري او شارك في هذا الاخفاء ويتمتع بالغطاء السياسي اللبناني هل يمكنها ان تحقق معه? فالجواب كان نفيا.

وهل يمكن لهذه اللجنة ان تحمي الشهود? ايضا لا يمكنها. وهل يمكنها ان تحقق مع اي عسكري سوري? وانحسر عمل اللجنة بالسماع الى الاهالي وتحضير الملفات وتقديمها الى الجزء السوري من اللجنة المشتركة الذي لم يشكل حتى الان, وبالمقابل لم ياخذ السوريون الموضوع على محمل الجد ولا يوجد حتى الساعة لجنة سورية, وان قامت اللجنة اللبنانية بكل واجبها الى من ستقدم الملف ولم نعرف حتى الان من هي المرجعية الصالحة في سورية لكي تتسلم المعلومات من اللجنة اللبنانية.

واضاف عاد وكي اكون منصفا بحق اللجنة اللبنانية التي شكلت ارى ان الاشخاص المشكلة منهم لديهم النية الصادقة بالعمل لانهاء هذا الملف لكننا نعود الى العقبات التي توضع بوجهها من جهة الصلاحيات او التعاطي مع النظام السوري, "لاننا نعرف جميعا ان هذا النظام يكذب باستمرار ويقدم معلومات خطأ ولم يكن يوما ايجابيا في التعاطي مع الملف ولا اتوقع ان يكون ايجابيا في المستقبل, وعلى ما يبدو لا يبدو في الافق اي نية سورية لحلحلة هذا الموضوع او على الاقل لم نسمع بهذه النية السورية". ومن هنا كان مطلبنا بانشاء لجنة دولية كاملة الصلاحيات يكون لها حق الدخول الى السجون السورية وحق التحقيق مع المسؤولين الامنيين السوريين المسؤولين عن الاعتقال الاعتباطي. والذي يشجعنا على الاستمرار هو انكسار حلقة الخوف عند اللبنانيين والالتفات الدولي الينا وهذا يتبين يوميا من خلال زيارة الاعلام المتكررة للاعتصام واهتمام المسؤولين السياسيين اللبنانيين, واخيرا زيارة نائبة مساعد وزير الخارجية الاميركي اليزابيت ديبل التي زارت المعتصمين وكانت قد وضعت هذا اللقاء ضمن برنامج الزيارات وهذا ان دل على شيء يدل على انتقال هذا الملف الى مدار البحث الجدي على الاجندة الاميركية والذي يؤكد ذلك هو تصريح ديبل بعد عودتها الى الولايات المتحدة والذي تناول الموضوع وطالبت خلاله بالافراج الفوري عن المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. وهي كانت اكدت خلال زيارتها لنا بانها ستنقل رسالتنا الى الادارة الاميركية هذا ونعلم جميعا ان الموضوع مطروح في واشنطن خاصة ان هناك قرارا في الكونغرس الاميركي (HR 273) الذي يتحدث عن وجود سجناء سياسيين لبنانيين في سورية, كما علمنا انه تم البحث في الموضوع مع اطراف لبنانية عدة خلال جولتها.

ونحن بدأنا بكرة الثلج وهذه الكرة تكبر وهذا كله بسبب الاعتصام ولا ازايد ان قلت انه ساهم بخلق هذه الحركة وكانت اخر نتائجها استقبال رئيس الجمهورية اميل لحود لنا وتأكيده بانه سيطلب من مجلس الوزراء تبني القضية في البيان الوزاري ونحن طلبنا منه بالسؤال عن لائحة باسماء السجناء واماكن وجودهم ووعد بان الامر سيتم من خلال مجلس الوزراء.

وتابع عاد ان الموضوع يحمل الطريقة التي حكمت بها سورية في لبنان بالاعتقال والتعذيب والاضطهاد والابتزاز المالي والسياسي والنفسي ايضا , هناك جرائم ضد الانسانية ارتكبت في هذا الملف ولهذا لا يريد الكثيرون التحدث في هذا الموضوع, الملف مليء بجرائم ضد الانسانية التي لا يمكن ان يعفو عنها لا عفو خاص ولا عفو عام انها جريمة ضد الانسانية بالتعريف الدولي ويجب ان يعاقب من ارتكبها ومن شارك فيها ومن سكت عنها.