زوبعة في فنجان

بقلم/جورج الياس

كاتب ومحلل سياسي

رويدكم يا مسلمي العالم!

ليس من احد في هذا العالم أكثر حرصا على الأديان وعلى الرسل والأنبياء وعلى التعاليم السماوية وعلى التشبث بالإيمان والمحبة والتسامح بين الشعوب.. وليس هناك من يزايد في ذلك على قداسة الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر! الذي رفع القداديس في الفاتيكان على أرواح المسلمين في العراق الذين يقتلون كل يوم على يد إخوتهم المسلمين!

 كذلك البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الذي بدوره أقام أكثر من قداس في ساحة القديس بطرس عن أرواح المسلمين الذين قتلوا في البوسنة والهرسك على أيدي الصرب، مؤيدا الولايات المتحدة الأميركية والحلف الأطلسي بإقامة دولة للمسلمين في قلب أوروبا ! كي لا يضطهدوا ثانية...

وأيضا هو الذي سمح ببناء مسجد في عاصمة الكثلكة روما!...

والبابا بنديكتوس على خطى سلفه، دائما يدعو إلى المحبة والسلام ونبذ العنف والإرهاب ويشدد على أهمية الحوار بين الأديان والشعوب...

يا مسلمي العالم.. التفسير الخاطئ والنظرة غير الصائبة والتحليلات التعصبية وعدم الفهم الصحيح لكلمة البابا يدعونا للعودة بنظرة سريعة إلى التاريخ، إذ نجد أن الديانات السماوية وجميع المعتقدات انتشرت بين الشعوب بالحكمة والعقل والمحبة والإرشاد، ومنها الدين الإسلامي طبعا، يبقى هناك فارق بسيط فالدين الإسلامي المبني على العدل والتسامح دون أدنى شك رافقه السيف في كل مراحله! وكان الوسيلة الناجعة لانتشار الإسلام بهذه السرعة!!

 ومثالا على ذلك كانت الجزيرة العربية وبلاد الشام وجوارها تعتنق عدة ديانات (المسيحية – اليهودية) إضافة إلى الوثنيين وكل الذين لا يؤمنون بالله... وما هي إلا سنوات قليلة حتى أصبحت كل هذه البلاد وهذه الشعوب تعتنق الإسلام - ومن رفض الخضوع بات من أهل الذمة -.

البوذية في الشرق الأدنى قامت على التعاليم والحكمة، كذلك مبدأ كونفوشيوس، وأيضا ديانة الشنتو في اليابان، وفي بلاد الهند انتشرت الهندوسية بين ملايين البشر على أسس تعليمية بلا سيوف أو رماح.. وكذلك اليهودية التي قامت على تعاليم التوراة والمسيحية التي أرست أسسها على ثلاث ركائز: المحبة والتسامح والغفران.

أما الإسلام الرسالة التي نحترم ونجل فلا ريب ولا عيب إذا اعترفنا إن السيف كان رديفا لتعاليمه السامية، وقد ذكره الشعراء والأدباء والحكماء المسلمون في العديد العديد من قصائدهم ومجالسهم وأقوالهم وجعلوا له أكثر من خمسين مرادفا (المهند، الصمام، الحسام، الباتر، البتار، النون، الفيصل...) وأصبحت من أسماء البشر!!!

وفي عصر صدر الإسلام طغى ذكر السيف على سواه فاندثر شعر الغزل والوصف (والخيل والليل والجمال والحب والصحراء والماء والخضراء...) وكان للسيف منزلة رفيعة إن في الفخر أم المديح ام الوصف وحتى في الهجاء والرثاء...

افتتح أبو تمام قصيدته الشهيرة :

السيف اصدق إنباء من الكتب    في حده الحد بين الجد واللعب

وقال آخر:

وكان سيفي في الهيجاء طبيبا      يداوي رأس من يشكو الصداع

وآخر:

حكم سيوفك في رقاب العزل      وان حللت بدار ذل فارحل

 

وهناك أيضا ألقاب كثيرة جدا أطلقت على الصحابة ورجالات الإسلام والقادة والفاتحين...

 لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار، فخالد بن الوليد لقب بسيف الله المسلول وغيره بسيف الإسلام وآخر بسيف العدل وسيف الحق وسيف النصر ...

ولا ننسى هذا القول الشهير: إذا كان دين محمداً لا يستقيم إلا بموتي فيا سيوف خذيني!

أما ما قاله قداسة الحبر الأعظم فهو بعيد كل البعد عن ارتباط الإسلام بالسيف، والعالم الاسلامي أساء فهم تصريحاته..

 لقد ألقى قداسته محاضرة تطرق خلالها إلى العنف والقتل غير المبررين في سبيل الله والدين ومن ثم التستر بالإسلام والابتعاد عن الإيمان والمحبة والتسامح (صفات الدين الإسلامي) والى استغلال هذه المقدسات لتنفيذ مآرب وأهداف...

فلا يجوز أن نستغل العنف والقتل او نبررهما تحت راية الإسلام أو راية الجهاد، وهذا ما استنكره العالم اجمع، وادانه المسلمون، وكلنا لا ينسى المجازر البشعة  في الجزائر وافغانستان واندونيسيا وكشمير والعراق والسودان...

 وما نسب لقداسته عن أن الإسلام لا يُحكّم العقل في الإيمان وان الرسول محمد لم يأت إلا بما هو سيء! فهذا كان حوارا بين احد الأباطرة البيزنطيين واحد المثقفين الفرس، وقداسته لم يقتبس ولم يستشهد كما أُتهم بل طرح أفكارا ورؤى نيرة هدفها ايصال رسالة بمعنى أنه لا يجب ان تكون هناك اية صلة بين الدين والقتل، بين الإسلام والعنف، بين الدعوة والإرهاب.

ولو تمعن أولئك الذين قامت قيامتهم وثارت ثائرتهم من ماليزيا الى باكستان الى الشرق والغرب... بفحوى كلام البابا لما ثاروا ونادوا وهتفوا بتسرع وتهور، وشحنوا النفوس من خلال إطلالاتهم المنبرية، وخطاباتهم العنترية مطالبين بالاعتذار للإسلام أجمعين...

رويدكم... لا داعي للاعتذار بل للتوضيح لأن "السيف لم يسبق العذل"

رويدكم... أعيدوا سيوفكم إلى أغمادها، وحكموا العقل والفكر، علكم تهتدون!.

18 أيلول 2006