صفير لـ"النهار": فليوحّد المسيحيون موقفهم أقلّه في الأمور الأساسية

ما زال للهيمنة السورية مداخلها والترسيم والعلاقات لا يشكلان انتقاصاً

باريس – من سمير تويني:  النهار 16/5/2006

رأى البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ان "هناك أسبابا عديدة قد تؤدي الى استقالة رئيس الجمهورية اميل لحود منها التحقيق الجاري في الجرائم في لبنان، وفي حال اثبات ان له ضلعا فيها فيمكن ان يكون هناك سبب، لكنني لا أدري ولا يمكنني ان أحكم بالامر".

وقال في حديث الى "النهار" على هامش زيارته لفرنسا "ان الرئيس لحود قد ظلم عندما مُدد له، لكن الامر بالنسبة الى بقائه او استقالته لم يعد منوطا به".

وعن قوله ان الرئيس لحود من بقايا النظام السوري، أكد "اني لست الوحيد من يقول ذلك، أناس كثيرون يقولون هذا القول ونحن نردد ما قاله غيرنا".

واعتبر انه "اذا ظلت الرئاسة على ما هي في شك وتجاذب فقد يستغنى عنها مع الوقت ويقوم رئيس الحكومة مقام رئيس الجمهورية".

وهنا نص الحديث:

 

ما هو تعليقكم على المحادثات التي أجريتموها مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك؟

 

- الرئيس شيراك معروف عنه انه يحب لبنان. وهو يراقب الوضع في لبنان ويريد ان يساعد اللبنانيين، والبرهان ان فرنسا استقبلت عددا كبيرا من اللبنانيين وهم يعيشون في فرنسا ووجدوا عملا يمكنهم من ان يقطعوا هذا الشوط من حياتهم. وفرنسا تستقطب ايضا الطلاب ورجال الاعمال اللبنانيين. ولذلك لا عجب انه يهتم بالشأن اللبناني وهو يريد مساعدة لبنان وقد كان راعي الدول المانحة لمساعدة لبنان اقتصاديا وماليا. اما هذه الاجتماعات فلم تأت حتى اليوم بالنتيجة التي نتوخاها. ونأمل في ان يكون لها مردود ايجابي.

 

هل طلب منكم تدخلا أو طلبتم تدخلا أقوى في الملف اللبناني؟

 

- لم يطلب الرئيس الفرنسي منا أي شيء. لقد عرضنا الوضع وفرنسا دولة كبيرة ولها نفوذ وكلمتها مسموعة في المجتمع الدولي. وهذا ما يساعد لبنان، ونأمل في ان تتمكن فرنسا من استعمال ما لديها من نفوذ في سبيل استعادة لبنان جميع مقوماته.

 

عند كل مفترق من حياة لبنان السياسية يشد اللبنانيون انظارهم نحو بكركي ونحن اليوم وبعد استعادتنا لحريتنا، بصدد توطيد السيادة فكيف يقيّم سيد بكركي ما وصلنا اليه وما هي الخطوات التي يراها كفيلة بدعم ركائز السيادة؟

 

مداخل الهيمنة

- نحن نادينا منذ زمن بعيد باستعادة لبنان كل مقوماته من سيادة وحرية واستقلال ولم تكن الظروف تسمح بذلك. وبقينا على هذا الوضع طوال ثلاثين سنة وفي المدة الاخيرة ساعد الوضع على انسحاب الجيش السوري من لبنان ولكن الهيمنة السورية ما زال لها مداخلها في لبنان، بين الاستخبارات السورية ونفوذها على بعض الناس الذين تشدهم نحو سوريا بعض منافع او فوائد وسوى ذلك. ولهذا السبب نقول ان على لبنان ان يكون بلداً مستقلاً وان تقوم علاقات سليمة من الاحترام وتبادل المنفعة بين لبنان وسوريا. وان يكون هناك استقلال وترسيم حدود وتبادل ديبلوماسي... ولكن حتى اليوم يبدو ان الامور ليست بهذه السهولة وهذا ما نأمل ونطالب بتذليل العقبات وان تعود العلاقات السليمة بين البلدين.

 

كيف يمكننا ان نذلل هذه العقبات بين البلدين؟

 

- اذا صحت النيات ولم يكن هناك بعض المطامع من الجانبين نأمل ان تعود الامور وتترجم بعلاقات مميزة وهذا ليس بالشيء العسير. وعلى لبنان ان يقوم بأعبائه وتبقى امور عالقة بين لبنان واسرائيل ولبنان وسوريا حيث كل بلد ينعم ضمن حدوده المعترف بها دولياً، بحقه في الاستقلال والسيادة وهذا ما نأمله.

 

كيف تقيمون الدعم الدولي  للبنان اليوم؟ وما هي برأيكم الخطوات العملية الواجب اتخاذها للافادة من هذا الدعم؟

 

- الدعم الدولي هو اليوم ميسور وملموس اكثر من قبل وكنا نطالب دائماً بهذا الدعم ولكن الاهتمام الدولي كان موجهاً الى امور اخرى اما اليوم فالمجتمع الدولي يريد ان يساعد لبنان ولكن اذا رأى ان المساعدة لا تأتي بفائدة فالمجتمع الدولي ليس همّه محصوراً في لبنان وله قضايا اخرى والعالم فسيح وهناك مشاكل عديدة وقد يصرف الاهتمام عن لبنان. لذلك يجب ان نعرف كيف نفيد من هذه الفرصة كي نوضح الامور ولكي نرسي لبنان على قواعد ثابتة ولكي تكون علاقاته مع جيرانه وخصوصاً مع سوريا علاقات سليمة من التساند والتعاضد والوفاق.

 

هل سيجد الحوار بين الاطراف المسيحية النور قريباً؟

 

- الحوار بين المسيحيين على شيء من الصعوبة وان ما يخلف المسيحيين وسنقولها بكل بساطة انما هو المركز الرئاسي وكل السياسيين يشعرون بأنهم اكفياء لشغل هذا المنصب ولذلك انهم متفرقون اكثر من سواهم ربما، ونحن نقول ان اللبنانيين على وجه الاجمال مسيحيين ومسلمين يجب ان يحزموا امرهم ويتضافروا لكي يساعدوا وطنهم كي ينهض من هذه المحنة التي مرّ بها.

 

الآن هذه مطامح بشرية ان يشغل كل منهم المركز الذي يطمح اليه ولكن في النهاية لن يكون في لبنان الا رئيس واحد وهذا الرئيس يجب ان يكون على مسافة واحدة من جميع الاطراف ومن جميع الناس وان لا يكون في خدمة احد، ولا يأتي لكي يخدم مصالحه الخاصة انما يأتي ليخدم مصلحة لبنان ككل وهكذا بإمكانه ان يحظى بالاحترام والتأييد وان يخدم وطنه خدمة متجردة.

 

لحود والتمديد والاسقاط

 

هل الرئيس لحود الآن على مسافة واحدة من الجميع؟

 

- الرئيس لحود لم يكن ربما مسؤولا عن التمديد الذي حصل له. نحن كنا ضد التمديد وقد قلنا ان الدستور اللبناني لا يمكن  التعامل معه كالتعامل مع قانون الايجارات تارة يعدل وتارة لا يعدل وفي غالب الاحيان عدل – الدستور يجب ان يحترم وان يعمل به ولكن عدل هذا الدستور ومددت المدة لرئيس الجمهورية لثلاث سنوات. وكان ما كان وقد تبين ان التمديد لم يكن في مصلحة الرئيس شخصيا ولا في مصلحة اللبنانيين ككل وهذه ليست المرة الاولى التي حصل فيها التمديد وكل الذين مدد لهم من رؤساء الجمهورية لم يكونوا موفقين ولا حاجة الى التعداد. ولكن هذا حصل. الان قسم يريد ان يسقط الرئيس وقسم يريد ان يحتفظ به واعتقد ان القوى متكافئة حتى اليوم. واذا كان هناك من سبب قانوني لاسقاطه فليعمل بالقانون اما ان يسقط بالقوة فهذا له محاذير كثيرة ويجب الا تستعمل القوة في مثل هذه الحالة. وسنرى ماذا سيكون.

 

صرحتم انه يمكن ان يستقيل الرئيس اذا ما وجد من سبب او حدث فما هو هذا السبب او الحدث؟

 

- الاسباب كثيرة ولكن هناك تحقيقات في هذه الامور التي جرت في لبنان واذا ثبت ان للرئيس ضلعا فيها فيمكن ان يكون هناك سبب. ولكنني لا ادري ولا يمكنني ان احكم بالامر.

 

وقد قلتم عنه انه من بقايا النظام السوري؟

 

- لست الوحيد الذي قلت ذلك. اناس كثيرون يقولون هذا القول ونحن نردد ما قاله غيرنا.

 

وجوده في هذا المركز يضعف مركز الرئاسة؟

 

- نعم، اذا ظلت الرئاسة على ما هي في شك وتجاذب قد يستغنى عنها مع الوقت وقد يقوم رئيس الحكومة مقام رئيس الجمهورية ويتعود الناس ان تهمش الرئاسة، وهي مهمشة الان طبعا كأن الناس يريدون الاستغناء عن الرئاسة والرئيس، وكل امر يستطيعونه دون العودة الى الرئيس يتم على هذا الاساس.

 

هناك اناس يؤيدون ابقاءه، واناس يؤيدون اسقاطه، وهم قوى متكافئة وغير منحصرين في لبنان، وهذا مسيء الى البلد. رئاسة الجمهورية يجب ان تبقى فوق الشبهات وفوق الجدل القائم الآن. يجب ان يبقى لهذا الموقع حصانته التاريخية.

 

هل لمستم خلال لقاءاتكم تفهما للوضع اللبناني؟

 

- نعم هم مطلعون على الوضع ولكن هناك وسائل لا تتوافر لهم وقد استوضحوا بعض الامور التي لم يكونوا على اطلاع تام عليها، وكان موضوع الحديث الوضع الحالي في لبنان والقوى المتناوئة فيه.

 

 العلاقات مع سوريا

 

ما هو موقفكم من القرار الذي سيصدر عن الامم المتحدة؟

 

- نحن في انتظار القرار لكننا مع ترسيم الحدود والتبادل الديبلوماسي مع سوريا، وهذا شأن كل البلدان المستقلة. واذا طالبنا بهذا المطلب فهو قديم، ولا يشكل انتقاصا لأي دولة. الدول تتعامل بعضها مع البعض على هذا الاساس، ولديها حدود مرسومة تحترم ولديها تبادل ديبلوماسي وبهذه القنوات يمكن معالجة المشاكل بين البلدان.

 

لقد سعيتم الى علاقات متميزة مع سوريا فكيف يمكن معالجة هذه المشكلات القائمة حاليا؟

 

- نحن سعينا مع اننا لسنا شخصا رسميا لنسعى، وكانت لنا تمنيات مع الاشخاص الذين نلتقيهم سواء كانوا لبنانيين او غير لبنانيين، ونقول ان البلدين منذ زمن بعيد لهما مصالح مشتركة يجب احترامها وانما هذا ليس بالجديد. الحدود تقطع والطرق تقطع منذ ايام شكري القوتلي وبشارة الخوري وللرئيس بشارة الخوري قول مأثور: "انها قطيعة يعلم الله انا ما اردناها، ولكنها وقد وقعت فلا نخشاها".

 

كيف تنظرون الى العلاقات الفلسطينية – اللبنانية؟

 

- الشعب الفلسطيني لا يعيش في مستوى انساني، ويجب ان تكون له كرامته المحفوظة. ولكن الشعب الاسرائيلي عندما يطالب بحقوق الوطنيين اللبنانيين فانه على ما اعتقد يتعدى صلاحياته لان الشعب الفلسطيني يجب ان تكون له مقومات عيش كريم.

 

ولكن ان يعطى حق الجنسية والانتخاب وان لا تكون تفرقة بينه وبين اللبناني الاصيل فهذا يوقع ظلما في حق اللبنانيين، في حين معظم الشباب اللبناني يهاجر بحثا عن العيش.

 

* عندما نستمع اليكم نلاحظ ان لديهم بعض الشكوك بالنسبة الى الحوار اللبناني. فما هو تقويمكم لهذا الحوار؟

 

- نحن مع الحوار ولكن كان يمكن الاستغناء عنه اذا كانت هناك مؤسسات فاعلة، وعلى المؤسسات ان تناقش القرارات الصادرة عن لجنة الحوار وان تتخذ بها قررا نهائيا يصدق بالطرق القانونية. ولكن المؤسسات ليست فاعلة فصار اللجوء الى الحوار لاتخاذ قرارات، لكنها تبقى قرارات ويمكن العودة عنها اذا لم تصدق رسمياً وقانونياً. لذلك قلنا لو كانت المؤسسات فاعلة لأمكن الاستغناء عن هذا الحوار.

 

ما رأيكم في توسيع اطار التحقيق الدولي ليشتمل كل الجرائم التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري!

 

- لو كان صار البحث عن مرتكبي الجرائم الماضية التي ارتكبت على مدى سنوات في لبنان، اعتقد ان الذين ارتكبوا هذه الجريمة ما كانوا قادرين على ارتكابها. لكن الامر حصل، وما من احد يعرف كيف تم اغتيال المفتي حسن خالد رحمه الله او كيف اغتيل بعض النواب او كيف اغتيل الرئيس رينه معوض وبشير الجميل. والاغتيالات تكاثرت في السنة الماضية وكان هناك 14 حادثة وهذا مؤلم في بلد صغير كلبنان، تجري فيه جرائم ولا احد يعلم كيف تمت ولم يوقف احد حتى الآن من مرتكبيها".

 

  بعض المنظمات اللبنانية كانت تطالب وتجاهد من اجل خروج الجيش السوري من لبنان وهي الان حليفة حلفاء سوريا في لبنان، كيف تقومون ذلك؟

 

- نحن لا نعرف كيف نفسّر ذلك. السياسة ليست دينا، فحينا تطالب بشيء وحينا تطالب بعكسه، والتحالفات تارة تتم وتارة تتفكك، حسب الهوى والنظرة والظروف. نحن نطالب بتوحيد الموقف المسيحي على الاقل في الامور المهمة والاساسية. اعتقد انه يجب الا يكون هناك اي خلاف في ما خص الثوابت اللبنانية كالاستقلال والسيادة والحرية. وبالنسبة الى الاتفاقات مع الدول، كل اتفاق، يعود بالخير على لبنان يجب ابرامه والمحافظة عليه، اما الاتفاقات المجحفة في حق لبنان يجب العمل على نقضها. لكن هناك اناسا لا يرون الا مصلحتهم ومصلحة البلد من خلال مصالحهم، وهذا خطأ.

 

ما هو رايكم في الورقة الاصلاحية التي قدمتها الحكومة من اجل الحصول على مساعدات دولية.

 

- المساعدات الدولية لن تأتي الا اذا كان هناك تأكيد من السلطات اللبنانية انها تعمل ما في وسعها لضبط الامور. اما إذا كان الهدر متواصلا على ما هو الان فمن العبث ان تساعدنا الدول اذا نحن لم نساعد انفسنا.

 

  اليوم عيد ميلادك فما هي الرسالة التي تود توجيهها الى اللبنانيين؟

 

- اود ان اشكر اولا الرب. ورسالتنا الى اللبنانيين هي ان يتضافروا ويتوافقوا ويعملوا من اجل وطنهم مجتمعين، فلا يكون هناك مطامع على حساب فريق، ولا تنجح طائفة على حساب طائفة اخرى. لبنان عائلة واذا كان بين افراد العائلة من لم يكن راضيا فانه يفسد جو العائلة بكاملها. لذلك يجب ان يكون هناك رضى من جميع افراد هذه العائلة وان يتعاونوا جميعا في سبيل لبنان.