البطريرك صفير وجه رسالة الفصح الى اللبنانيين

نحن بنو ايمان ورجاء ولا يمكننا ان نستسلم الى اليأس علينا حزم امرنا ومساعدة نفوسنا ليساعدنا الله والناس

14/4/2006 وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير "رسالة الفصح" الى اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا وهي بعنوان: "تألم، ومات، وقبر، وقام " من ( قانون الايمان) وجاء فيها: "تألم الرب يسوع، ولكن آلامه كانت وسيلة افتداء للجنس البشري. ومات، ولكن موته كان سبيلا لعبورنا من الحياة الفانية الى الحياة الباقية. وقبر، ولكن قبره المضيء أصبح لنا نورا وهداية في ظلمة الخطيئة والموت، وقام، ولكن قيامته أصبحت عربونا لقيامتنا من رقدة التراب.

هذا هو زمن الفصح، زمن العبور من حال تعاسة، الى حال سعادة. انه زمن البهجة الروحية، على الرغم مما بنا من أوجاع، وحولنا من مآس. أما قال بولس الرسول:" اني أفرح بالآلام التي أعانيها من أجلكم، وأتم في جسدي ما نقص من مضايق المسيح، من أجل جسده الذي هو الكنيسة" ؟

ان هذه الآلام التي نقاسيها في دنيانا، لا تذهب سدى، اذا عرفنا أن نقرنها بآلام السيد المسيح، كما أن الآم السيد المسيح كانت وسيلة لافتداء الجنس البشري، ولفتح باب عودته الى أبيه السماوي.

وعلى الرغم من هذه العودة فهو باق معنا، على ما وعد به تلاميذه، يوم صعد الى السماء، بقوله لهم: "ها أنا معكم طول الأيام الى نهاية العالم" .

جاء في مختصر تعليم الكنيسة الكاثوليكية ردا على هذا السؤال:"ما هو موقع قيامة المسيح في ايماننا؟ "الجواب: "ان القيامة هي الحقيقة السميا من ايماننا بالمسيح. وهي الى جانب الصليب، تمثل جانبا جوهريا من السر الفصحي". وما هي العلامات التي تثبت قيامة المسيح؟". الجواب: " فضلا عن العلامة الأساسية، التي يشكلها القبر الفارغ، ان قيامة يسوع شهدت عليها النسوة اللواتي كن أول من التقينه، وأعلن قيامته على الرسل.

يسوع ظهر بعدئذ للصفا أي لبطرس، ثم للأثني عشر. ومن ثم ظهر لأكثر من خمسمائة أخ معا، ولسواهم".

والرسل لم يستطيعوا اختراع ذلك، لأن القيامة بدت لهم مستحيلة. وفي الواقع ان يسوع وبخهم على قلة ايمانهم".

ولماذا القيامة هي في الوقت عينه حدث فائق الطبيعة؟ الجواب: "ان القيامة، مع أنها حدث تاريخي أكدته علامات وشهادات، تفوق التاريخ وتتجاوزه، بوصفها سر الايمان، لأنها دخول ناسوت المسيح في مجد الله. ولهذا السبب، لم يظهر المسيح القائم من الموت للعالم، بل لتلاميذه الذين جعل منهم شهوده أمام الشعب. و"ما معنى القيامة، ومفعولها بالنسبة الى الخلاص ؟ " الجواب: "القيامة هي ذروة التجسد.وهي تثبت ألوهة المسيح، وكل ما فعل وعلم. وهي تحقق كل المواعيد الالهية لمصلحتنا. وعلاوة على ذلك، ان المسيح القائم من الموت، والمنتصر على الخطيئة والموت، هو مبدأ تبريرنا وقيامتنا. ومنذ الآن، تولينا القيامة نعمة التبني التي هي مشاركة حقيقية في حياة الابن الوحيد، الذي سيقيم جسدنا في اليوم الأخير".

ان قيامة المسيح هي عمل الثالوث الأقدس. وقد تمت بقوة الآب الذي أقام المسيح، ابنه، وهكذا أدخل ناسوته بطريقة كاملة- بجسده- في الثالوث الأقدس. وتبين بصورة نهائية أن يسوع هو "ابن الله بقوة بحسب الروح القدس، وذلك بقيامته من بين الأموات". هذه الحقائق الايمانية، يجب أن نفهمها ببساطة، على الرغم مما فيها من سمو.

أما قال السيد المسيح: "أعترف لك، يا أبت، رب السماء والأرض، لأنك أخفيت هذه الأمور عن الحكماء والفهماء، وأظهرتها للأطفال".

ان القديس توما الأكويني، المعلم الملائكي، كان يقول: "ان امرأة مسكينة تقبع في زاوية من زوايا الكنيسة، تفهم شؤون الله أكثر مني أنا اللاهوتي الكبير"؛ ذلك أن أسرار الله لا يفهمها الفلاسفة الكبار، بقدر ما يفهمها الناس البسطاء، الأبرياء، المؤمنون بما كشفه الله لهم. وهذه هي الطفولة الروحية.

كم نحن في حاجة الى العودة الى هذه الطفولة الروحية في التعاطي مع الله، ومع الناس وغالبا ما نتناسى أننا دائما في حضرته تعالى، ونتوهم أنه غريب عنا، وبعيد منا، لا بل تائه في سمائه. وهو أقرب الينا من ذواتنا.

وصاحب المزامير يقول:" الله معتصم لنا وعزة، وقد وجدناه نصرة عظيمة في المضايق".

وكم علينا أن نعود اليه، ونخشاه خاصة في هذه الأيام التي كلما لاح لنا فيها انفراج، بدا كأنه يتبدد بسرعة، ليعود الجو مدلهما، ينذر بشر مستطير. وقد تراكمت علينا المشاكل من داخل وخارج. فالدولة منقسمة على ذاتها، فانقسم اللبنانيون معها على ذواتهم. واذا بهم كتلتان متقابلتان، متواجهتان إذا نادت احداهما بأمر، نادت الثانية بعكسه، والناس حيارى كادوا يكفرون بمن أولوهم قيادتهم الى المرفأ الأمين، فاذا بهم يقودونهم الى الهلكة والضياع، والفقر واليأس. ويريدون أن يفرضوا عليهم ضرائب لا طاقة لهم بها، بدلا من أن يتداركوا الهدر والانفاق غير المجدي.

والشبان، ومعظمهم حصلوا علوما وشهادات جامعية، يبحثون عن عمل فلا يجدونه، فيضطرون الى الهجرة، وغالبا ما تكون بعيدة، فلا يعقبها عودة. والدولة تبدو كأنها سائبة، تشغر فيها الوظائف ، فلا مجال لملئها، لما بين أهل الحكم من تجاذب وسؤ تفاهم.

والمواقع الكبرى فيها أصبحت مثار جدل، فالرئاسة الأولى تكاد تفقد بريقها وهيبتها لكثرة ما دار حولها من جدل يضر بها، ولا يزيدها ألقا واحتراما. وهذا يقود الى خلل في المواقع، فيكتسب موقع مزيد قوة على حساب موقع آخر. وهذا يخلخل ركائز الدولة ويزيدها ضعفا وهزالا. والذين عولوا من الأصدقاء على ما تقتضيه الحالة من اللبنانيين من روية وحكمة، كادوا يستسلمون الى اليأس والقنوط، فيتخلون عن نصرة لبنان ومساعدته، بحجة أن المساعدة لا تجدي ولا تنفع ما دام القوم لا يساعدون نفوسهم.

فضلا عن أن الشباب خصوصا في الجامعات لا يعطون عن نفوسهم صورة مشرقة، ما داموا يقتتلون نصرة لحزب ينتمون اليه، فيما كانت الأزمة تقضي عليهم بأن يتعاونوا ويتساندوا لاخراج وطنهم من محنته. هذا على الصعيد الداخلي، وهو يشجع الطامعين من الخارج على الاستقواء على الدولة، فتتزايد المطامع والمطالب. فاذا بالمقيمين على الأراضي اللبنانية يطالبون بمساواتهم، من حيث الحقوق، باللبنانيين الأصليين، فيما هؤلاء يهاجرون.

فضلا عن المجنسين الذين لم تعمد الدولة حتى اليوم الى الفصل في قضيتهم، ومساحة الوطن الصغير أصبحت تضيق بساكنيها. اذا كان أبناء الوطن لا يفضلون مصلحته على مصلحتهم الخاصة، واذا كانوا، على ما قيل، يتطلعون لا الى ما بامكانهم أن يعطوا وطنهم، بل الى ما يأخذون منه، فالحالة تكون قد أصبحت يائسة. ولكننا نحن بنو ايمان ورجاء ولا يمكننا أن نستسلم الى اليأس.

وقديما قيل: "ساعد نفسك تساعدك السماء". وهي على استعداد لمساعدتنا، اذا حزمنا أمرنا، وعرفنا كيف نساعد نفوسنها ليساعدنا الله والناس من أصدقاء لبنان، وهم كثر، والحمد لله، في العالم. وإنا، اذ نهنئكم بهذا العيد المجيد، نسأل السيد المسيح القائم من بين الأموات، أن يعيد عليكم جميعا عديد أمثاله، وأنتم والوطن بخير، واطمئنان، وازدهار، وأن يشملكم برضاه وبركاته.

 

وطنية-14/4/ ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ظهر اليوم، رتبة دفن السيد المسيح على مذبح الكنيسة في الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، بعد الانجيل المقدس القى كلمة قال فيها: اننا نستذكر في هذا اليوم آلام سيدنا يسوع المسيح وصلبه وموته على الصليب، وهذا الحدث التاريخي مر عليه الفان وستة سنوات، ولكنه لا يزال حيا ليس في ذاكرتنا فقط انما في قلوبنا وحياتنا اليومية". اضاف:" ان آلام المسيح لم تكن حادثا تاريخيا ومضت، انما آلامه لا تزال حية حتى اليوم على ما قال احد كبار المفكرين: ان السيد المسيح لا يزال يتألم، ويتالم معنا الى منتهى الدهر، انه يتالم في اعضاء كنيسته, وفي اشخاصهم وفي جميع المتألمين وفي هذا العالم الفسيح, وفي الجياع وفي المعذبين وفي المضطهدين وبالذين يوسمون بالاذلال وبالسخرية، لذلك علينا ان نعرف كيف نقرن آلامنا بآلامه لتصبح لنا سبيلا للخلاص، ونسأله ان يخفف من آلام جميع المتألمين لا سيما من الذين يعايشوننا في بلدنا لبنان، ولتكن هذه الآلام سبيلا الى التحرر والى السلام والطمأنينة ولخلاص نفوسنا". بعدها حمل البطريرك صفير والاساقفة والآباء نعش السيد المسيح واقيمت رتبة الدفن ومسيرتها في الباحة الخارجية .