البطريرك صفير ترأس قداس اثنين الفصح على نية فرنسا

فرنسا كانت اول من عمل ليتمكن لبنان من استعادة هويته لكن الكفاح من اجل هذه الاستعادة لا يبدو انه على نهايته

السفير ايمييه: يجب عدم تهميش احد لتحقيق تقدم في الحوار

وطنية - 17/4/2006 (سياسة) ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، قداس اثنين الفصح في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي - بكركي، والذي يقام سنويا على نية فرنسا، عاونه فيه النائب البطريركي سمير مظلوم، امين سر البطريركية المونسنيور يوسف طوق، بمشاركة النائب البطريركي العام المطران رولان ابو جودة، القيم البطريركي الخوري جوزف البواري، امين سر البطريرك الخوري ميشال عويط، السفير الفرنسي برنارد ايمييه وعقيلته واركان السفارة في بيروت.

بعد الانجيل المقدس، القى البطريرك عظة رحب فيها بالسفير واركان السفارة، "حيث نحتفل في قداس اثنين الفصح على نية فرنسا الذي اصبح تقليدا سنويا يدل على صلابة وقدم العلاقات بين فرنسا والبطريركية المارونية". وتناول معاني قيامة السيد المسيح من بين الأموات، سائلا الله ان "يزرع في قلوبنا وفي عائلاتنا وبلدينا والعالم اجمع معاني القيامة وهي: الفرح، الغفران، المصالحة والسلام".

وبعد القداس استقبل البطريرك صفير، في صالون الصرح،السفير ايمييه واركان السفارة الذين هنأوه بالفصح وأقام على شرفهم مأدبة غداء القى خلالها كلمة جاء فيها: "أعتقد انني لست في حاجة الى ان اقول لكم، سعادة السفير، واياها الأعزاء، انه بمقدوركم، في هذه البطريركية المارونية، ان تشعروا بانكم لستم بغرباء، فالعلاقات التي تشد فرنسا الى وطننا الصغير ترقى بعيدا في التاريخ، وخاصة بين فرنسا والموارنة. في كل حال، فالتاريخ هو هنا ليقول ذلك ويكرر القول، ويهمني ان اقول لكم ايضا اننا، من جهتنا، متمسكون بأمانتنا لتقاليدنا، وقداس يوم اثنين الفصح هو برهان على ذلك.

ومن جهتكم انتم ايضا مثلنا متمسكون بتقاليدكم، وما فتئتم تبرهنون عن ذلك، وقد دفعتم الثمن تضحيات كثيرة، أفما امتزج الدم الفرنسي بالدم اللبناني ابان الحرب اللبنانية، وأحد اشهر سفرائكم والكثيرون من ابنائكم قد سقطوا ضحايا بريئة في هذه الحرب اللبنانية. كانت فرنسا، بين بلدان اوروبا، البلد الذي استقبل عددا من اللبنانيين، يوم لفت العاصفة لبنان، وهم لا يزالون يقيمون فيها. وفي هذه الفترة المضطربة، لم يبق في لبنان غير الفرنسيين، على الرغم من جميع المخاطر.

ولغتكم الى جانب العربية التي هي لغتنا الوطنية، هي الاكثر استعمالا في مدارسنا وجامعاتنا. فهي تحمل معها مبادىء وأفكارا ومواضيع عزيزة علينا: اي الحرية والسيادة والاستقلال. وان فرنسا هي الاولى التي عملت ما بوسعها ليتمكن لبنان من استعادة هويته، ولكن الكفاح، ويا للأسف، من اجل هذه الاستعادة لا يبدو انه على نهايته.

اني أشكركم، سعادة السفير، لاخلاصكم لقضيتنا وانتم على اتصال دائم بكل فئات الناس في لبنان، وخاصة بالذين يعملون في الحقل السياسي، وهذه مهنة لا تخلو من متاعب، على الرغم من انه لا بد منها. وفي نطاق الشرق الاوسط، نشعر بأن هناك عاصفة تهب على بلدان المنطقة. كما لو ان ما يحدث في العراق وفلسطين، وفي بلدان اخرى، ليس بكاف.

يسرني ان احيي صاحب الفخامة، رئيس الجمهورية الفرنسية السيد جاك شيراك، لمتابعته باهتمام أحداث لبنان، اني اسألكم، سعادة السفير، ان تنقلوا اليه مشاعر الاحترام، بانتظار ان اعرب له عن ذلك عما قريب شخصيا. اني اذ اتمنى لكم، سعادة السفير والسيدات والسادة جميعكم، عيد فصح مجيد، وكل النجاح في مهمتكم الدبلوماسية والانسانية التي تقومون بها في ما بيننا، اسمح لنفسي ان ارفع باسمي وباسم معاوني، هذه الكأس على صحتكم".

السفير الفرنسي

بدوره قال السفير ايمييه: "انه لمن دواعي السرور بالنسبة الى معاوني والى زوجتي والي ان نجتمع مجددا، وفق التقليد، لمناسبة اثنين الفصح هنا في بكركي، المقر الشديد الرمزية للبطريركية المارونية لانطاكيه وسائر المشرق. انه لشرف لي، يا صاحب الغبطة، ان اكون الى جانبكم في هذا اليوم الشديد الأهمية بالنسبة الى المسيحيين كافة، انه لشرف تخصون به فرنسا من خلال رفعكم، كما في كل عام، الصلوات عن نيتها ومن خلال دعوة ممثليها الى هذا الغداء الذي بات محطة مهمة من محطات الأخوة الفرنسية - المارونية والفرنسية -اللبنانية التي نعلق عليها أهمية قصوى. للسنة الثانية على التوالي أترأس بمزيد من التأثر والعرفان والفخر وفد السفارة الفرنسية الى هذه التظاهرة المهيبة والودية".

اضاف: "يشكل هذا اللقاء، يا صاحب الغبطة، بالنسبة الى سفير فرنسا ايضا مناسبة مميزة للتنويه بالطابع الفريد للصلات الوثيقة التي تجمع الطائفة المارونية بفرنسا. هذه الصلات المستمرة منذ مئات السنين قد عبرت الزمن وقاومت المحن، وهي لا تنفك تتوسع وتتعمق بفضل العلاقة التي تتميز بالوطادة والثقة الشديدتين. ان هذا التعلق التاريخي لفرنسا بالموارنة هو ايضا تعلق عميق وتاريخي لا تنفصم عراه بلبنان، باللبنانيين جميعا بدون أي حصرية، بهذا البلد الفريد الذي أثبت الديناميكي والصلب الارادة طموحه لتحويل انتماءاته المتعددة الهوية الى مصدر غنى وحوار ونجاح.

أود في هذا الاطار أن أعرب لكم، يا صاحب الغبطة، عن تقدير السلطات الفرنسية الخاص للمواعيد التي تتكرمون بمنحي اياها للقائكم في شكل منتظم والتي يتابعها رئيس الجمهورية الفرنسية باهتمام خاص، وأنتم على علم بالاحترام الذي يكنه لشخصكم ولتحاليلكم ولحكمتكم.

كما أود أن أعبر لكم عن تقديري لالتزام اعضاء طائفتكم الخاص لصالح اللغة والثقافة الفرنسيتين، وان قوة علاقتنا لمدينة لهم بالكثير.

أود أن اعرب لكم عن رضانا عن تعاوننا مع المؤسسات المارونية في مجال التربية الذي يحظى بالأولوية بالنسبة الى فرنسا في لبنان. أتعلق الأمر بالتعليم الابتدائي والثانوي خصوصا مع مدرسة الحكمة أو تعلق الأمر بالتعليم الجامعي، من خلال شراكة مميزة مع جامعة الروح القدس - الكسليك التي ندعم تطوير فروعها الفرنكوفونية، ومن خلال الشراكة ايضا مع جامعة الحكمة حيث أطلق مؤخرا تعاون وطيد للغاية.

وانا أهنىء النفس لاختيار وزارة الخارجية الفرنسية مجددا هذا العام صاحبي منحة لبنانيين قدمتهما البطريركية المارونية من أصل 5 في العالم أجمع هما الأب بطرس ابي صالح والأب داني جلخ اللذان سيكونان حاملي منحة من الحكومة الفرنسية في المعهد الكاثوليكي في باريس. علينا الاستمرار على هذا الدرب وتحقيق نتيجة فضلى، وانا بالطبع سأكون شديد الاصغاء الى نصائحكم حول هذه المواضيع".

وتابع: "يشكل لقاء الفصح هذا ايضا فرصة لبلادي لتحيي، من خلال شخصكم يا صاحب الغبطة، رؤية أعلم ان لبنانيين كثر يتشاطرونها، بغض النظر عن الحدود الطائفية والانقسامات السياسية. لبنان بالطبع حر، ومستقل وسيد بكل ما لهذه الكلمات من معنى ومن قوة. ولكن ايضا وخصوصا لبنان معتز بنفسه، لبنان قادر على أخذ زمام أموره بيده وعلى التقدم وعلى تخطي انقساماته الداخلية والنظر نحو المستقبل البعيد، مستقبل أبنائه أولا، بغض النظر عن مصالح الأفراد الخاصة. عيد الفصح هو عيد الأمل، وكلي ثقة بأنه، على الرغم من الآلام المتكبدة وعلى الرغم من الصعوبات التي ما زال بلدكم يواجهها اليوم، فدواعي الأمل هائلة".

اضاف: "لقد حقق لبنان تقدما كبيرا منذ لقائنا الأخير لمناسبة عيد الفصح، يا للشوط الذي اجتازه، وأنا غالبا ما أقول للذين يميلون أحيانا الى رؤية النصف الفارغ من الكوب مستسلمين لأغراء اليأس، دعونا لا نسىء تقدير المكتسبات التي سجلت. ولحظات استعادة الوحدة الوطنية العظيمة هذه: رحيل الجيوش الغريبة كلها، الانتخابات الحرة الحقيقية الاولى تحت اشراف الأسرة الدولية، اقامة حكومة منبثقة من الأكثرية ألفها اللبنانيون أنفسهم، اجتماع حوار وطني يجمع للمرة الاولى الممثلين الشرعيين لبلدكم كافة، في لبنان نفسه، وبدون وجود خارجي، توافق على مواضيع كبرى ذات اهتمام وطني كانت في البارحة من المحرمات، وتوافق حول معرفة الحقيقة بشأن اغتيال رئيس مجلس الوزراء السابق السيد رفيق الحريري، وجميع الذين سقطوا من اجل الحرية خلال العام 2005، وصولا الى جبران تويني في 12 كانون الاول الفائت، وتوافق ايضا على انشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم التي تعود الى زمن آخر.

يرسم هذا كله الخطوط الكبرى للبنان جديد هو بالطبع غير كامل ومعقد الادارة، ولكن أليس هذا شأن أي بلد آخر؟ ولكنه بلد تسلم اللبنانيون اخيرا زمام أموره وبات يتعين عليهم بناءه بأنفسهم. من كان ليتصور قبل بضعة أشهر فقط، ان هذا التقدم ممكن. نعم، ما زال هناك عمل كثير ينبغي القيام به، بالطبع، يتطلب بناء بلد واقامة دولة وتعزيز أمة وقت، وستكون فرنسا دوما الى جانبكم في هذه الطموحات.

لكن هناك سبل للتقدم، سبيل الحوار اولا، سبيل الحوار الوطني، سبيل الحوار بين اللبنانيين كافة، غالبا ما أشعر ان سكان هذا البلد كلهم الشديدي التعلق بهويته وبخصوصيته وبالرسالة التي يحملها يتشاطرون طموحات السلام والاستقرار والازدهار نفسها، ويتمنون بشدة ان يتخطى قادتهم الانقسامات السياسية للاتفاق على المواضيع كلها. لتحقيق هذا الهدف، ينبغي الا يهمش أحد وألا يغض الطرف عن أي من الهموم التي يمكن التعبير عنها، أيا كان مصدرها. وهذا يفترض ايضا التحلي بنظرة شمولية الى الأمور والتمتع بحس المصلحة العامة، هناك دور حاسم يتعين على اللاعبين الاساسيين في بلادكم الاضطلاع به، ولن يسامحهم الشعب وتاريخ هذه البلاد ان لم يتحملوا مسؤولياتهم.

وهناك ايضا سبيل العمل، العمل العام اليومي ومهمته الاولى حسن الاستجابة لطموحات السكان والصعوبات التي تعترضهم، في هذا المجال ايضا يجب تغليب الحوار، ضمن احترام قواعد ديموقراطيتكم التوافقية. وهذا يفترض الكثير من العمل والكثير من الانصات وبالطبع "تنازلات متبادلة". ولكن بالاضافة الى ذلك، وبناء ايضا على قواعد نظامكم الخاص ودستوركم، يجب على الحكومة ان تحكم وتقرر وتكون مسؤولة عن اعمالها، هذه هي قاعدة كل ديموقراطية. هذه هي، يا صاحب الغبطة، رؤيتنا الودية للبنان والتي تمنيت مشاطرتكم اياها. لبنان الحر والجديد، لبنان ذو الهويات المتعددة بالطبع ولكن التي يجب ان تتقاطع حول تأكيد أمة ودولة. هذا البلد الذي يفيض بالوعود والذي لا ولن تنفصم عرى تعلق فرنسا به.

وخلص السفير ايمييه الى القول: "في الختام، وددت ان أعرب لكم، يا صاحب الغبطة، بعد مرور اكثر من عام على زيارة العمل الاخيرة التي قمتم بها الى فرنسا في كانون الثاني 2005، عن سرورنا باستقبالكم وبالترحيب بكم مجددا في بلادنا، خلال بضعة اسابيع، بمناسبة العيد الخمسين بعد المئة ل"مؤسسة عمل الشرق الخيرية" هذه المؤسسة التربوية والاجتماعية العظيمة. ستشكل هذه الزيارة فرصة لكم للالتقاء مجددا برئيس الجمهورية ومشاطرته رؤيتكم للبنان ومسيحيي الشرق والدين. واسمحوا لي في الختام ان أعبر لكم، يا صاحب الغبطة، عن تقدير السلطات الفرنسية للصلوات التي رفعتموها عن نيتها وأؤكد لكم اكثر التمنيات احتراما التي نتوجه بها اليكم والى الطائفة المارونية كلها والى الشعب اللبناني كله العزيز على قلب الشعب الفرنسي الصديق".