عظة غبطة البطريرك صفير

التضامن هو طريق السلام واذا كنا لا ننعم به فلأننا لم نهتد بعد الى الطريق

وطنية - 23/4/2006 (سياسة) ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي, عاونه فيه المطران شكرالله حرب وامين سر البطريركية المونسينيور يوسف طوق والقيم البطريركي الخوري جوزف البواري. حضر القداس قائد الجيش العماد ميشال سليمان, مدير المخابرات العميد الركن جورج خوري, رئيس مؤسسة البطريرك صفير الدكتور الياس صفير, عضو حزب الكتلة الوطنية نخلة اده, رئيس حزب الاصلاح الجمهوري شارل شدياق, عضو الهيئة التنفذية في القوات اللبنانية ايلي ابي طايع, المهندس جو صوما, طوني فرنسيس وحشد من المؤمنين.

بعد الانجيل المقدس, ألقى البطريرك صفير عظة بعنوان: "لا تكن غير مؤمن بل مؤمنا", استهلها بالترحيب بقائد الجيش قائلا: "سعادة القائد نرحب بكم مصليا بين المصلين, ونسأل الله ان ينصركم نصرة الحق على الباطل, وان يؤتينا اياما خيرا في هذه الايام البائسة". وتطرق في عظته الى الحديث عن رسالة قداسة الحبر الاعظم البابا يوحنا بولس الثاني المتعلقة في الشأن الاجتماعي, فرأى ان هناك ترابط بين الناس على اختلاف اوضاعهم ومقاماتهم, وان التضامن فيما بينهم لا بد منه لتخفيف اعباء الحياة عنهم, وهذا التضامن هو طريق السلام الصحيح, وهذا نص العظة: "يذكرنا هذا المقطع من الانجيل المقدس, الذي تلوناه على مسامعكم اليوم, بظهور السيد المسيح, للمرة الثانية بعد مرور ثمانية ايام, على قيامته من بين الاموات. زار تلاميذه في البيت الذي كانوا مجتمعين فيه, والابواب مغلقة, وبعد ان حياهم بالسلام, التفت الى توما وقال له: "هات اصبعك الى هنا, وانظر يدي, وهات يدك, وضعها في جنبي.

ولا تكن غير مؤمن, بل كن مؤمنا". ذلك ان توما كان غائبا, عندما ظهر يسوع لتلاميذه للمرة الاولى. اذذاك اعترف توما بوجود الرب امامه, وهتف قائلا: "ربي والهي". لكن السيد المسيح اضاف موجها كلامه اليه: "لأنك رأيتني, آمنت؟ طوبى لمن لم يروا وآمنوا". الايمان لا يقوم على المشاهدة, والا بطل ان يكون ايمانا, بل اصبح مشاهدة. الايمان يقوم عل تصديق قول الله عينه الذي وضعه بتصرفنا في كتبه المقدسة, وخصوصا في انجيله المقدس. وهو قول اثبته الرب يسوع بما اتاه من عجائب, وآيات لا يأتيها الا الله, ومن آتاه الله ان يأتيها. لنجدد ايمانا بالله, وهو معنا الى الابد. ونتابع الحديث عن رسالة البابا يوحنا بولس الثاني: "الاهتمام بالشأن الاجتماعي", فنرى ان هناك ترابط بين الناس على اختلاف اوضاعهم ومقاماتهم, وان التضامن فيما بينهم لا بد منه, لتخفيف اعباء الحياة عنهم, وهذا التضامن هو طريق السلام الصحيح.

1-الترابط القائم بين الناس على طريق الارتداد المرغوب فيه, الذي يقود الى تذليل الحواحز الاخلاقية القائمة بوجه النمو, تمكن الاشارة الى وعي الترابط المتنامي بين الناس والشعوب, على انه قيمة وضعية اخلاقية, وان يشعر رجال ونساء, في مختلف انحاء العالم, بالظلم وانتهاك حقوق الانسان المرتكبين في بلدان بعيدة, قد لا يذهبون اليها ابدا, كأن ذلك يتعلق بهم شخصيا, فهذه علامة اخرى تدل على واقع كامن في الضمير, وهو ينطوي على انعطاف اخلاقي. قبل كل, هناك واقع الترابط الذي نشعر به على انه نظام علاقات لا بد منه في العالم المعاصر, مع ما فيه من مركبات اقتصادية, ثقافية, سياسية ودينية. و

قد ارتفع الى مقام مقولات خلقية. عندما يصير الاعتراف في هذا الترابط, يكون الجواب في المقابل التضامن, وهذا موقف اخلاقي واجتماعي, وفضيلة. والتضامن ليس شعورا مبهما بالشفقة، والرأفة السطحية امام الاضرار، التي اصابت عددا من الاشخاص، اقارب كانوا ام أباعد، انه، على العكس من ذلك، العزم الثابت، المستمر على العمل من اجل الخير العام، اعني من اجل خير الجميع، وكل منهم، لاننا جميعا مسؤولون حقا عن الجميع. وهذا العزم يقوم على الاعتقاد الثابت بان النمو الشامل تعرقله الرغبة في الربح والعطش الى السلطة اللذين اشرنا اليهما. هذه المواقف، وهذه البنى،" بنى الخطيئة"، لا يمكن التغلب عليها- طبعا بمعونة النعمة الالهية- الا بموقف مناقض كليا:اي بالتضحية في سبيل القريب ، وذلك بالاستعداد، بمعنى الكلمة الانجيلي:" لبذل الذات" من اجل الآخر، بدلا من استغلاله، و"لخدمته"، بدلا من ارهاقه في سبيل المصلحة الخاصة.

2- لا بد من هذا التضامن ان ممارسة التضامن داخل كل مجتمع له قيمته تماما، عندما يعترف اعضاء هذا المجتمع بعضهم ببعض بانهم اشخاص. والذين هم اثقل وزنا، وقد توفر لهم قدر اكبر من خيور الدنيا والخدمات العامة، يجب ان يشعروا بانهم مسؤولون عن الذين هم اضعف منهم، وان يكونوا على استعداد ليقاسموهم ما يملكون. والذين هم اضعف يجب عليهم، من جهتهم، في خط التضامن نفسه، الا يتخذوا موقفا سلبيا، او هداما للنسيج الاجتماعي، بل عليهم، فيما هم يدافعون عن حقوقهم المشروعة،ان يصنعوا ما يعود اليهم من اجل الخير العام. اما الفئات المتوسطة ، عليها بدورها الا تشدد، تشددا يدل على انانية، على ما لها من مصالح خاصة، بل عليها ان تحترم مصالح الآخرين.

اننا نجد في العالم المعاصر علامات ايجابية تدل على وعي متنام لتضامن الفقراء في ما بينهم، تترجمه اعمال تساند، ومظاهرات عامة في حقل الاجتماع، دونما لجوء الى العنف، بل بابراز ما لهم من حاجات، وحقوق، في وجه عقم السلطات العامة وفسادها. والكنيسة، بفضل التزامها الانجيلي، تشعر بانها مدعوة الى ان تكون الى جانب جماهير الفقراء، والى تبين عدالة مطالبهم، والمساهمة في تلبيتها، دون ان يغيب عن نظرها خير الفئات في اطار الخير العام . ومن باب المماثلة، ان هذا المقياس عينه ينطبق على العلاقات الدولية ، والترابط يجب ان ينقلب الى تضامن يقوم على المبدأ القائل بان خيور الخلق هي معدة للجميع. وان ما تنتجه الصناعة البشرية عن طريق تحويل المواد الاولية، وما يضيفه اليها العمل، يجب ان يكون ايضا في خدمة الجميع. على الامم الاقوى والاغنى، بعد تخطيها الامبريالية، ايا يكن نوعها، وارادة المحافظة على الهيمنة، ان تعي مسؤوليتها الادبية تجاه الآخرين، ليقوم هناك نظام دولي حقيقي يشرف عليه مبدأ مساواة جميع الشعوب، والاحترام الذي لا بد منه لما بينها من فوارق مشروعة. وعلى البلدان الاضعف اقتصاديا، او المقيمة على حدود البقاء، ان تتمكن، بمساعدة غيرها من الشعوب والجماعات الدولية، من ان تسهم هي ايضا في الخير العام، بفضل ما لها من كنوز انسانية وثقافية قد تتعرض، دون هذه المساعدة، لضياع ابدي .

ان التضامن يساعدنا على ان ننظر الى "الآخر"، سواء أكان شخصا،ام شعبا،ام امة، ليس كأداة نستغل، على أهون سبيل، ما لديها من طاقة عمل، او قوة بدنية، لنتركها عندما لا تعود تنفع، بل علينا ان ننظر اليه "كشبيه" لنا و"عون"، يجب اشراكه، بالتساوي معنا، في وليمة الحياة التي يدعو الله اليها جميع الناس .والى هذا مرد اهمية ايقاظ الضمير الديني لدى الناس والشعوب . وهكذا يجب نبذ استغلال الآخرين، وتدميرهم، وارهاقهم. وهذه الوقائع، في حالة انقسام العالم الحالي الى كتل متقابلة، تنضم لتنذر بخطر الحرب، والاهتمام المبالغ فيه بالامن، وذلك غالبا ما يكون على حساب الاستقلال، وحرية القرار، وحتى على حساب سلامة الاراضي الوطنية، التي تخص الشعوب الاضعف، التي تدخل في ما يسمى "بمناطق النفوذ" او "الحدود الامنية".

3- التضامن هو الاسم الجديد للسلام ان "بنى الخطية"، وما تجره من خطايا ، تتعارض تعارضا اساسيا والسلام، والنمو، لان النمو، بحسب عبارة رسالة البابا بولس السادس هو "الاسم الجديد للسلام". وهكذا ان التضامن الذي نعرضه انما هو طريق السلام، وفي الوقت عينه طريق النمو. وفي الواقع، لا يمكن التفكير بسلام العالم، اذا كان المسؤولون لا يصلون الى الاقرار بان الترابط يقتضي بحد ذاته تخطي سياسة الكتل، ونبذ كل شكل من اشكال الاستبداد الاقتصادي، والعسكري، او السياسي، واستبدال الحذر المتبادل بالتعاون، الذي هو العمل المميز للتضامن بين الافراد والشعوب . ان شعار حبرية سلفي البابا بيوس الثاني عشر الكلي الاحترام، كان:"السلام ثمرة العدالة". واليوم بامكاننا ان نقول، قولا له ذات الصحة وقوة الالهام الكتابية: السلام ثمرة التضامن . وهدف السلام، الذي يتوق اليه الجميع كل التوق، يمكن، دونما شك،ادراكه بفضل وضع العدالة الاجتماعية، والدولية موضع العمل، ولكن ايضا بفضل ممارسة الفضائل التي تشجع على العيش المشترك، والتي تعلمنا ان نعيش متحدين، لكي نبني في الوحدة مجتمعا جديدا، وعالما افضل، يقوم على الاخذ والعطاء .

4- لا شك في ان التضامن فضيلة مسيحية. ويمكننا ان نرى، مما قلناه سابقا، عدة نقاط تماس بين هذه الفضيلة والمحبة، التي هي علامة تلامذة المسيح الفارقة. ان التضامن، في ضوء الايمان، يسعى الى تخطي ذاته، واتخاذ ابعاد مسيحية اصيلة هي ابعاد المجانية التامة، والغفران، والمصالحة. اذ ذاك لا يكون القريب فقط كائنا بشريا، بما له من حقوق ومساواة اساسية بالنسبة الى الجميع، بل يصبح صورة لله الحي الآب ، المشتراة بدم المسيح، وموضع عمل الروح القدس المستمر. لذلك تجب محبة القريب، ولو كان عدوا، بالمحبة التي احبه بها الرب، ويجب ان نكون مستعدين للتضحية من اجله، حتى التضحية العظمى اي:"بذل الذات في سبيل الاخوة". التضامن هو طريق السلام، واذا كنا لا ننعم بهذا السلام المنشود، فلاننا لم نهتد بعد الى طريق التضامن. واذا بنا قد تقسمنا على كل شيء، ولا جامع يجمعنا. من رئاسة الجمهورية، الى الوظائف الحكومية، الى السلاح الذي نجده في ايدي بعض المواطنين دون سواهم من المواطنين الآخرين، الى ما سوى ذلك مما يتعلق بترسيم الحدود مع ما يجاورنا من دول، واقامة تمثيل ديبلوماسي معها. وهذه كلها امور بديهية في الدول التي تعرف كيف تحرص على استقلالها، وسيادتها، وحريتها، وتصونه بالمهج والارواح، بمعزل عن اي تدخل خارجي. نسأل الله ان يهدينا سواء السبيل".