نص رسالة السيد حنا العتيق إلى مؤتمر

القوات اللبنانية المنعقد في الولايات المتحدة

13 أيار 2006

 أيها الرفاق الأعزاء

أيها الضيوف الكرام،

يا من تجشَّمتم عناء السفر للمشاركة معنا في هذا المؤتمر المجسّد لمسيرة القوات  اللبنانية الشامخة والمنتصرة على الصعاب..

 أنتم الذين تحملون في قلوبكم الوطنَ الغالي وتضحياته وشهداءه الابرار ..

انتم الذين ترفضون اي تنكر للماضي وصفحاته الناصعة لدى الغوص في متطلبات النهوض المستقبلي..

لقد جئنا لنقول لكم إن بُعدكم الجغرافي عن لبنان الحبيب لا يجعلكم تنقطعون عـن المعترك اليومي لمسيرة الحرية والاستقلال والسيادة، بل انتم " الصوت الصارخ في البرية" من أجل هذه المسيرة.

 لا المسافة الجغرافية تقتلع الوطن مـن قلوبنا، ولا المسافة الزمنية تنتزع تضحيات القوات اللبنانية من أفئدتنا، وها اننا نصارحكم في مستهل هذه المكاشفة الواعية:  انكم مدعوون، حيثما حللتم وأينما أقمتم في دنيا الاغتراب، للمطالبة معنا بعقد مؤتمر عام للقوات اللبنانية تتضح فيه الالتباسات وتوضع الامور كلها في نصابها، بعيداً عن اي ولاءات شخصية أو إعتبارات ذاتية.. مع احترامنا للدور الكبير الذي قام ويقوم به هذا القيادي أو ذاك .

لقد جئنا نصارحكم وكما وسبق وفعل جورج برناردشو في عبارته الساخرة والمريرة: " العربة الفارغة أكثر جَلَبَةً وضجيجاً من الممتلئة".

نحن لا نريد ضجيجاً يصمّ الاسماع، إو غباراً يملأ الافق، بل نريد نقاشاً موضوعياً لمشاكلنا ومعاناتنا في الحياة الداخلية للقوات اللبنانية، حتى نتمكن من الاسهام الاقوى في انقاذ حياة الوطن من المؤامرة التي تدبر له من خلال الاغتيالات المتتالية لخيرة قياداته وشخصياته الفعالة .لذا فالشكر محتاج الى القبول، والحسب محتاج الى الادب، والقرابة محتاجة الى المودة ، والمعرفة محتاجة الى التجارب، والشرف محتاج الى التواضع  والنجدة محتاجة الى الجدّ .

أيها الرفاق الأعزاء

أيها الضيوف الكرام،

يقولون الصمت ابلغ ..لكن صمتنا سيف قاطع ونريد كلامَنا بلسماً شافياً.

انه أول مؤتمر نعقده بعد خروج القدم السورية التي كانت جاثمة فوق أرضنا الطيبة. انه أول لقاء بهذا المستوى بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والعديد من القادة والاعلاميين فضلا عن عمليات التفجير والتخريب التي تعرضت لها الاحياء السكنية والمرافق الحيوية.

 أنه اول نقاش نخوضه بعد المراوحة التي وصل اليها الحوار الوطني اللبناني، ومحاولات اعداء السيادة والاستقلال لتخريب كل ما حققته حركة الرابع عشر من آذار وتضحيات ملايين اللبنانيين على مدى عام ونصف عام .

 وإذ نخوض معركة الديموقراطية والمشاركة الشعبية الافضل في صنع القرار اللبناني رغم مرارة المواجهة، فاننا على صعيد القوات اللبنانية لا بد ان نخوض معركة بناء الديموقراطية في العمل التنظيمي وفي القطاعات المتصلة بهذا المجال أو ذاك .

  هل نسينا أن القوات اللبنانية هي حركة مقاومة مسيحية ارتبطت بالتجربة التاريخية للشعب المسيحي ومعاناته خلال العصور، وانبثقت حديثاً مع بدايات الحرب الاخيرة في نيسان 1975، وتطورت وسائلها ومقدراتها من خلال مشروعية الدفاع عـن هذا الشعب ومصيره ؟

هل نسينا أن القوات اللبنانية هي حركة تاريخية تستلهم الماضي وتجاربه، وهي حركة تحرر وطني غير محكومة باي اطار فكري او سياسي او عقائدي ضيق، وغير محصورة باي اطار مناطقي، حدودها وسع الانتشار المسيحي اللبناني في مهده  وفي مغترباته، تحمل البندقية يوم يفرض فيه الدفاع عن شعبها، وتحمل القلم والمعول في كل آن ؟

 إنها إذن حركة شعبية تناضل من أجل تكريس السيادة الوطنية المهددة باستمرار، وتكافح كافة أشكال الاحتلال والهيمنة والتبعية، وتعمل مع كافة الافرقاء الوطنيين في صيغة شراكة حرة وفاعلة ومتوازنة من اجل بناء الكيان الوطني النهائي والمستقر والتعددي والمنفتح وتحقيق دولة العدالة والمساوات وحقوق الإنسان .

الان، ماذا عـن القيادة في القـوات اللبنانيـة وعـن صلاحياتها ومهامها ؟ 

 من بديهيات الامور ايها الرفاق ان يكون قائد القوات اللبنانية صاحب تجربة نضالية واسعة وان يحمل فكرا استراتيجياً بحيث يتم اختياره وفقا لهذه المواصفات. لذا يصبح من المستحيل ان توكل هذه القيادة او تجيّر او تورّث في ايّ ظرفٍٍ من الظروف.

وقائد القوات هو رمز عزّتها وقوتها ووحدتها، وهذه المعطيات تلهم سياساته وقراراته ومن خلالها يمكن الحكم على هذه القرارات وهذه السياسات المفترض ان تكون خاضعة للمراقبة والمحاسبة وفقاً لاحكام النظام الداخلي للمؤسسات المعنية.

ومجلس القيادة يكون منتخبا لولاية محددة، يتوزع أعضاؤه خلالها الصلاحيات والمسؤوليات الإجرائية، ويشكل الهيئة التنفيذية في القوات تحت رئاسة القائد كما يفترض ان تنص عليه احكام النظام الداخلي .

ماذا عن مميزات القوات اللبنانية وخصائصها ؟

 هناك جملة من الحقائق تميز القوات من شأنها ان توجه المسيرة التنظيمية لان تخطيها او تجاهلها يحول هذا التنظيم الى جسد محنط بلا روح .

أولاً: المسيرة التاريخية للقوات اللبنانية ومنها مراحل العسكرة خلال فترات الحرب، مع ما تحمله من تجارب ومن محطات والتزامات، هذه المسيرة هي وحدها القادرة على اضفاء الشرعية او على حجبها، على كل السياسات او القرارات او المواقع بما يتلاءم مع الثوابت والقيم المعنوية في القوات اللبنانية.

ثانياً : الطابع الشعبي النضالي للقوات وعدم انحصارها بفئة معينة او طبقة معينة او منطقة معينة، الامر الذي يفرض ادارة واعية لهذا التنوع الغني والمتشعب .

  ثالثاً :  التجربة الخاصة للقـوات اللبنانيـة منذ العام 1990 مروراً بالعام 1994 ولغاية الان، من محطاتها :

 حرب الالغاء ونتائجها على الساحة المسيحية،

 إتفاق الطائف،

حلّ الحزب وإعتقال القائد،

 موجة الاضطهاد الرهيب

هذه الاحداث التي شكلت سابقة التاريخ في لبنان المعاصر، ادت الى حصول فراغ تنظيمي وهيكلي شامل وانهيار المؤسسات والبنى القواتية، مما نجم عنه تدهورٌ سياسي وانكماش شعبي لم تستطع القـوات اللبنانيـة الخروج منهما رغم التماسك الرائع للقاعدة القواتية وتمسكها بعقيدتها وروح  التضحية  والوعي العالي الذي تميزت به .

 الواقع الحالي ومعوقات الديموقراطية على الصعيد المنهجي، وانسجاما مع كل ما تقدم، نجد

1-التوافق على قراءة الماضي، قراءة موضوعية، تتناول المسار السياسي العام والوضع القواتي الداخلي في فترة غياب الدكتور سمير جعجع، وتأثيره على المستقبل القواتي وتحديد مساره.

2-تنامي العامل الشخصي العائلي في الوقت الحاضر ووقعه على المسار القواتي، ودوره في ضرب مفهوم النضال في مرتكزاته كلها، وفي تغيير وجه القوات الاصيل، وعاقبته على المنحى الديموقراطي المرتجى.

3-التماهي الحاصل في مفهوم الولاء، بين القضية والشخص، وإنعكاس إستمراره على الفرز القواتي الداخلي.

4-تزايد الشكوك في إرساء ديموقراطية فعلية على اسسٍ سليمة، ونتيجته على استمرارية الحركة القواتية، وفاعليتها المستقبلية، وحؤوله دون تحقيق  مبدأ تناول السلطة والخضوع للشفافية وللمساءلة.

5-إستمرار احادية الرأي والقرار والدور والممارسة، ورفض التنوع الايجابي الضروري لعيش الديموقراطية وممارسة المعارضة البناءة، واتهام اصحابه بالتمرد والانحراف.

6-تدنى مستوى المناقبية الخلقية في العمل الحزبي والسياسي العام، بصورة تهدّد الروح النضالية التي تمايزنا بها، ونرى ضبابية في معايير الالتزام القواتي تراجعاً في  مستواه، وتأثير ذلك على القيمة التنظيمية العامة والثقة والمصداقية .

7-غياب المشروع السياسي الواضح، الذي يفترض ان تركز عليه حركتنا السياسية بكامل وسائلها سعيا الى تحقيقه، وعدم وضوح التحالف الاستراتيجي وغاياته مع حلفائنا.

 المبادىء الرئيسية المطلوبة في تنظيم القوات اللبنانية.

النظام الداخلي في القوات اللبنانية يجب ان يتضمن او يؤمن ما يلي:

أولاً : حفظ دور القـوات داخل المجتمع المسيحي اللبنانـي .

ثانياً: الانتقال بالقوات من حال العسكرة الى حالة السلام مع الحفاظ على روح المقاومة وترسيخ ارادة النضال والتعاون والتعاضد داخل المجتمع المسيحي .

ثالثاً: احترام الديموقراطية وتطبيقها باوسع المضامين عن طريق اقرار دينامية الانتخابات بديلا لدينامية التعيين، وتشجيع وجود معارضة داخلية فاعلة لها صوتها ولها حقوقها داخل المؤسسات القواتية اسوةً بحقوق الاكثرية، وتطبيق مبادئ المحاسبة والمراقبة وتشجيع التغيير الديموقراطي.

رابعاً: بناء المؤسسات السياسية وتحديد سلطاتها وصلاحياتها بصورة دقيقة، واستقلالها على ضوء مبدأ فصل السلطات، واحترام قرراتها وتطويرها حتى تصبح الضمان الحقيقي لقوة القوات الللبنانية واستمراريتها، وبالتالي تصبح القوات هي القدوة في البناء المؤسساتي داخل المجتمع المسيحي.

خامساً: اسناد الوظائف والمسؤوليات وفق أسس الجدارة والكفاءة والالتزام ، بعيداً عن كل إشكال التعيين والتبعية والإستزلام .

أيها الرفاق الأعزاء

أيها الضيوف الكرام،

ان ما عرضناه أعلاه يتطلب، في ما يتطلب :

العمل عـلى بناء مصالحة حقيقية .

إيجاد لجنة تحقيق محايدة لمعرفة حقائق الأمور والعمل لتصويب المسـار.

نريد مؤسسات منتخبة عـلى ان يشارك في العملية الانتخابية جميع القـواتيين .

نريد عدلا في القـوات اللبنانيـة .

وضع مشروع سياسي يلتقي عليه جميع القواتيين ويكون مدخلاً للتحالف مع الاخرين.

المطلوب هو قـوات مقاومة لا تتنكر لماضيها بل تفتخر به وتقدس شهداءها وتكرم مناضليها.

إيجاد حلّ لجميع المبعدين والمنفيين والهاربين من قضاءٍ جائرٍ.

تكريس الولاء للقـوات اللبنانيـة ذات التاريخ الناصع في خدمة لبنان وسيادته وقضايا شعبه وليس ولاءً للاشخاص.

وأخيرا، فان القـوات اللبنانيـة التي اول من تراسها  القائد الشهيد الشيخ بشير الجميل ارادها رئاسة مداورة لمدة سنتين فقط كما ارادها اداة للتغيير والبناء الديموقراطي في المجتمع المسيحي، هذه القـوات تعرف تماما الامراض والعلل التي يتخبط فيها هذا المجتمع، واخطرها حالة الاقطاعية بمختلف اشكالها والتي تحكمت بمصيره خلال قرون عديدة وادت الى تكريس التخلف والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعقدة....

والقـوات اللبنانيـة تعمل لتكون حالةً سياسية شعبية واعـية مناهضة للاقطاع ولرواسبه في المجتمع ، ومن الطبيعي والحالة هذه ان تختنق اي محاولة او نزعة داخلية تحمل هذا الطابع، وان تدفن في المهد والا يكون لها اي دور في مستقبل القـوات اللبنانيـة .

يبقى ان نكرر اعتزازنا بهذه المشاركة لقـواتيي عالم الاغتراب اللبناني في هذا المؤتمر البالغ الاهمية، معاهدين اياكم بان يكون الوطن الغالي في قلوبنا عـلى الدوام ندافع عنه بالغالي والنفيس، وبالا تسقط راية مؤسسي قـوات اللبنانيـة ومكملي مسيرتها مهما تكن الظروف ومهما تطلَّب ذلك من تضحيات .

ونحن اذ نشكر الولايات المتحدة الاميركية التي في ربوعها وفي ضيافتها الكريمة ينعقد مؤتمرنا، فاننا نكرر النصيحة التي قدمها جورج واشنطن للاجيال كلها بالقول :

"لا تتعهد بعمل ما لا طاقة لك به، ولكن اصرف كل همك للوفاء بوعدك."

ونحن عند وعدنا يا ارزنا الشامخ

  عاشت القوات اللبنانية

 وعاش لبنان

  واشنطن 13 أيار 2006

  حنّا العتيق