أميركا تلتزم سياسة النأي بالنفس أسلوباً في التعاطي ليس فقط مع الملفّ السوري ولكن مع كل الملفّات الساخنة حول العالم

حزب حراس الأرز- حركة القومية اللبنانية

بيان

 

الظاهر ان الإدارة الأميركية قد أخذت عن لبنان سياسة النأي بالنفس واعتمدتها أسلوباً في التعاطي ليس فقط مع الملفّ السوري ولكن مع كل الملفّات الساخنة حول العالم، وهو ما عاد وأكّده الرئيس أوباما في خطابه الأخير عن حال الإتحاد.

يؤسفنا القول ان هذه السياسة التي تميّزت بالتردّد واللاموقف واللاقرار أدّت حتى الآن إلى تقليص دور الولايات المتحدة بشكل ملحوظ وتراجع مكانتها في العالم، وبات الكل يسأل أين أميركا من الأزمات الدولية القائمة هنا وهناك وهنالك، وبخاصةٍ التحولات الكبرى الجارية في منطقة الشرق الأوسط؟ حتى ان الدول الصغيرة المرتبطة تاريخياً بالمحور الغربي باتت تخشى على مصيرها من تعاظم دور المحور الروسي ـ الصيني ـ الإيراني وطغيانه على مسار السياسة العالمية.

وبالنسبة للمسألة السورية فقد اكتفت الإدارة الأميركية بتأييد المعارضة تأييداً خجولاً لم يتعدَّ إطار الكلام والمجاملة ، بينما تركت الشعب السوري يتخبّط على مدى ۲۲ شهراً بين مطرقة سفّاحٍ تدعمه أعتى الدول الشمولية دعماً بلا حدود، وبين سندان مجموعة من الدول تسمّي نفسها "أصدقاء سوريا" فاق عددها المئة ولكن لا طعم لها ولا لون.

وعندما شرع نظام الأسد باستخدام سلاح الجو في دَكّ المدن والأحياء السكنية بشتّى أنواع القذائف والصواريخ المحرّمة دولياً، اعتقدنا ان الغرب سيقيم القيامة وسيحاول ردعه بطريقة أو بأخرى رحمة بأرواح المدنيين والعزّل، لكنه أغمض عينيه ولم يحرّك ساكناً، لا بل فعل أسوأ من ذلك إذ قرّر رفض تزويد المعارضة بالأسلحة المناسبة للدفاع عن نفسها وشعبها خشية وصولها إلى أيادي الفصائل الإسلامية المتشدّدة على حدّ قوله، وخوفاً من تكرار الأخطاء التي ارتُكبت في أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها.

ولكن إذا ما نظرنا إلى هذا القرار بواقعية وموضوعية نرى فيه شيئاً من قصر النظر والسذاجة السياسية، وذلك لعدّة أسباب أهمّها:

۱ ـ ان توافد الفصائل الإسلامية من دول الجوار على سوريا لنجدة شعبها من الإبادة كان النتيجة الطبيعية لغياب الغرب وعلى رأسه الإدارة الأميركية وتخليه الكامل عن واجباته التاريخية والتقليدية في حماية الشعوب المقموعة والثائرة على الإستبداد، وبالتالي فهو يتحمّل المسؤولية الأولى في استقدام تلك الفصائل الغريبة وتناميها على الأراضي السورية.

٢ ـ وإذا كانت الإدارة الأميركية تعتقد ان الفصائل المذكورة أشد خطراً من النظام السوري فهي مخطئة، لأن الوقائع التاريخية الدامغة تؤكّد ان نظام الأسد الأب والإبن كان وما يزال الإرهابي الأول في هذه المنطقة من العالم، حيث أسّس ورعى على مدى الأربعة عقود الماضية مدرسة متخصّصة في صناعة الإرهاب وتصديره في كل الإتجاهات، وقد تخرّج منها معظم المنظمات الإرهابية المحترفة والمنتشرة كالسرطان في لبنان ودول المنطقة تحت أسماء متنوّعة، ونحن شهود على ذلك.

۳ ـ وإذا كانت الإدارة الأميركية تبحث عن أسباب فشلها في العراق فما عليها إلّا أن تراجع سجلاتها جيداً لتكتشف ان نظام الأسد بالإشتراك مع حليفه الإيراني كان العامل الأول في هذا الفشل، وان ما يزيد عن ٨٠٪ من العمليات الإنتحارية وزرع العبوات الناسفة وتفجير السيارات المفخّخة لقتل الجنود الأميركيين كانت من إعداد وتخطيط وتنفيذ هذا التوأم الإرهابي بامتياز.

٤ ـ ان الثورة السورية، تبعاً لحركة التاريخ واستناداً إلى النجاحات الميدانية التي تحققها كل يوم ضدّ قوّات الأسد وداعميه، هي حتماً على طريق الإنتصار آجلاً أم عاجلاً، ومن دون منّة من الغرب أو غيره، كما وان الإستمرار في سياسة التخاذل تجاه هذه الثورة ومنع السلاح عنها سيفضي حتماً إلى تقوية شوكة الفصائل المتشدّدة على حساب الفصائل المعتدلة.

بناءً على ما تقدّم، نعتقد ان الإدارة الأميركية قد أخطأت في قراءَة المسألة السورية قراءَة صحيحة، غير ان المجال ما زال متاحاً أمامها لتصويب موقفها من الثورة والعمل على استيعابها ورعايتها بشكل سليم يضمن تعزيز مناخ الإعتدال على مناخ التطرّف، وانتقال السُلطة إلى أيادٍ أمينة، وترتيب البيت السوري بما يضمن حقوق جميع مكوّناته... مع التذكير على ان التأخير ليس في مصلحة الغرب ولا الشعب السوري ولا المنطقة بصورة عامة، والآتي قريب.

 لبَّـيك لبـنان

اتيان صقر ـ أبو أرز

في ١۷ شباط ٢٠١۳.