التقرير السنوي لحقوق الانسان في لبنان عن 2005 الصادر عن مؤسسة حقوق الانسان والحق الانساني

 

تطورات ايجابية مع استمرار خروق لكن الاغتيالات تعيد الوضع الى الوراء

كتب بيار عطاالله: النهار 19/12/2005

كاد التقرير السنوي لحقوق الانسان في لبنان عن سنة 2005 ان يسجل بعض التحسن نتيجة التطورات الايجابية التي تمثلت في انسحاب القوات السورية وعودة المنفيين واطلاق السجناء السياسيين وجملة من النقاط الاخرى، منها اطلاق حرية التعبير من أسرها مع زوال سلطة الوصاية. لكن مسلسل الاغتيالات السياسية وكان آخرها اغتيال النائب والزميل الشهيد جبران تويني ورفيقيه أعاد الامور الى الوراء عموما وأشاع مناخا من الارهاب الفكري والسياسي على الرأي العام وقادته.

مؤسسة "حقوق الانسان والحق الانساني" وزعت تقريرها السنوي الذي يقع في 18 صفحة بالانكليزية. وتضمن مقدمة تضمنت عرضا عاما فيه: ان سجل حقوق الانسان كاد ان يصنف عاديا مقارنة بملف حقوق الانسان المثقل في الدول المجاورة وقد استمر هذا الامر من استقلال لبنان سنة 1943 حتى اندلاع الحرب اللبنانية سنة 1975. الى ان كان اتفاق الطائف الذي أدى الى وضع اليد السورية نهائيا على لبنان سنة 1990 بواسطة قوات الجيش السوري وأجهزة استخباراتها. لكن سنة 2005 تميزت بانسحاب هذه القوات السورية وأجهزة استخباراتها تحت مزيج من الضغط الشعبي اللبناني مدعوما بمساندة دولية. كما سجل للمرة الاولى منذ 30 عاما اجراء انتخابات نيايبة بعيدا عن النفوذ السوري.

وعادت مؤسسة حقوق الانسان بالذاكرة الى سنة 1989 للتذكير انها قيمت اتفاق الطائف "الذي كان واضحا انه ينتهك مبادىء حقوق ا لانسان والحريات العامة منذ البداية، وخصوصا لجهة قمع بعض الحريات الفردية الاساسية وحرية الاعلام والتعليم والعمل السياسي والنقابي". اما في ما يخص الحريات الجماعية فلاحظت المنظمة انه "كان واضحا منذ سنة 1989 ان سيادة لبنان واستقلاله جرت التضحية بهما في اتفاق الطائف لمصلحة سوريا".

الاحزاب

وفي القسم المتعلق بحرية التجمع والاجتماع، ورغم خروج التظاهرات الشعبية الحاشدة خلال سنة 2005 لاحظت المؤسسة ان الحكومة اللبنانية "لم تلتزم حتى اليوم شرعة واضحة لتشكيل الاحزاب السياسية وهي لا تبدو على عجلة من أمرها لمعالجة هذا الامر. وآخر محاولة على هذا الصعيد كانت لوزير الداخلية سنة 1996 عندما اقترح مجموعة من الافكار تحت عنوان "قانون تنظيم الاحزاب السياسية" الذي أثار ضجة كبيرة لأن المشروع لحظ دعوة المعنيين بتشكيل أحزاب وجمعيات سياسية الى تقديم لائحة بالاعضاء المنتسبين ومحاضر بوقائع الاجتماعات، وذلك على نقيض أعوام الاستقلال الاولى في لبنان عندما كانت السلطة اللبنانية لا تتدخل في تـأسيس الجمعيات والهيئات الثقافية والرياضية والاجتماعية".

وعن الانتخابات والحقوق السياسية قالت المؤسسة: "رغم الثغر الاساسية في قانون انتخابات عام 2000 الا انه أعيد العمل به في الانتخابات عام 2005 والتي أدت الى تحسين التمثيل المسيحي في بعض المناطق، وخصوصا تلك التي يشكل المسيحيون فيها أكثرية متماسكة بسبب الانسحاب السوري وعودة العماد ميشال عون واطلاق الدكتور سمير جعجع من السجن، وهما من قادة المسيحيين المخضرمين. وسجلت المؤسسة ملاحظات على تعطيل عمل المجلس الدستوري الذي نجح سنة 1996 في التعامل مع الملفات الواردة اليه وأبطل تاليا نيابة عدد من النواب المنتخبين وأعاد اجراء الانتخابات في دوائر معينة. وسجل التقرير ايجابية بمشاركة المرأة سنة 2005 وللمرة الاولى في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ولاحقا في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وايضا بفوز المرأة بستة مقاعد برلمانية من اصل 128 مقعدا.

وبالاشارة الى حرية التعبير والصحافة ذكرت المؤسسة  بقانون تنظيم الاعلام المرئي والمسموع سنة 1996 والذي تذرعت الحكومة اللبنانية حينها بخفض التوتر الطائفي والسياسي من اجل تحديد عدد وسائل الاعلام المرئية والمسموعة  العاملة. ولاحظت ايجابيات عدة منها السماح لمحطة "ام. تي. في" بالعودة الى البث كما  سجل رفع الرقابة على النشرات الإخبارية وبرامج الحوار السياسي، وبثت محطات الاعلام المرئي والمسموع تقارير خلال السنة الجارية وتحدثت  عن الكثير من القضايا التي كانت تعتبر من المحرمات  وسقطت الرقابة على النشرات الاخبارية، وعاد السياسيون  والصحافيون  المعارضون لسوريا الى شاشات اعلام بعدما حظر عليهم ذلك لأكثر من عقد". وكذلك في الصحافة المكتوبة التي اعتبر التقرير انها "بعد الضغوط المستمرة التي تعرض لها الصحافيون في لبنان منذ البدء بتطبيق اتفاق الطائف سنة 1990، شهدت سنة 2005 مزيدا من الحريات،  واقتصر الامر على الاستماع الى الصحافيين كما جرى في قضية الصحافي  زاهي وهبي  الذي اتهم رئيس الجمهورية  اميل لحود بالوقوف وراء اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري" واشارت المؤسسة في تقريرها الى توقيف الصحافيين  جهاد نافع وحبيب يونس كل على حدة لاسباب سياسية والتي تعاملت معها المؤسسة كانتهاك للحقوق السياسية. والنموذج  الابرز عن التغيير كان في حركة الكاريكاتور الصحافي ذلك انه كان محظرا على الاعلام اللبناني  ورسامي هذا الفن  التعامل مع شخصية الرئيس لحود وكان رسمه ممنوعا، اما سنة 2005 فقد اصبح موضوعا للانتقادات في الكاريكاتور وفي كل وسائل الاعلام اللبنانية.

كما سجلت ايجابية اخرى تمثلت في سقوط المحرمات عن قادة المعارضة الذين كان محظرا نشر اي كتب عنهم،  وخصوصا عن العماد ميشال عون  والدكتور سمير جعجع. اما السلبيات فتمثلت في استمرار تدخل السلطات الدينية الاسلامية والمسيحية في عملية  النشر والتوزيع بواسطة جهاز الامن العام اللبناني وخصوصا كما حصل في كتاب "لغز دافينتشي"، الذي منع من الاسواق  اللبنانية بطلب من الكنيسة المارونية، الى جانب لائحة طويلة من الكتب الاسلامية وتلك التي تتحدث عن اوضاع الاقليات المسيحية في الشرق او تتناول مسائل حساسة في الشرق الاوسط.

وفي اطار الحض على الكره لاحظت المؤسسة  في تقريرها ان حرية التعبير لا تجيز التحريض العنصري والطائفي،  استنادا الى احكام  المادة 22 الفقرة الثانية من العهد الدولي للحقوق المدنية  والسياسية العالمي  والذي يجري انتهاكه  بصورة منتظمة في لبنان، حيث تنتشر الدعاية المعادية للسامية اكثر منها في اي بلد عربي اخر. وفي هذا المجال هناك منشورات  الحزب السوري القومي الاجتماعي، اضافة الى دعاية "حزب الله" ومحطتي "تيلي لوميير" المسيحية وتلفزيون "المنار" اللتين تبثان دعاية معادية للسامية.  واشار التقرير الى برنامج يقدمه الاب جورج رحمه عبر تلفزيون "تيلي لوميير" اسبوعيا وموضوعه المفضل شن الحملات الاعلامية والانتقادات على طائفة "شهود يهوه" وكل الاقليات المسيحية الاخرى. ورغم ان من حق الجماعات الدينية الدفاع عن ايمانها والترويج لمعتقداتها، فليس من حقها ابدا الترويج للكره الجماعي في  اوساطها.

وبالانتقال الى حرية الحركة والانتقال على الاراضي اللبنانية لاحظت المؤسسة ان عددا كبيرا من المهجرين من ارضهم خلال الاحداث اللبنانية لم يعودوا الى ديارهم بعد، وفيما يتردد عدد منهم في العودة لأسباب سياسية واجتماعية واقتصاية تحول أسباب أخرى دون عودة جزء منهم.

الاغتيالات

ورأت المؤسسة في تقرييرها ان سنة 2005 كان يفترض ان تكون سنة السلام الا انها شهدت حالات قتل سياسي تمثلت في اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري ورفاقه، وفي الثاني من نيسان الماضي قتل الصحافي والكاتب والاستاذ الجامعي سمير قصير المعروف بمواقفه المعارضة للنظام السوري. وبعده بثلاثة أسابيع قتل الامين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي بالطريقة نفسها التي قتل فيها قصير. وذكرت بتعرض مي الشدياق لمحاولة اغتيال (ولم يكن النائب والزميل جبران تويني قد استشهد). وفي مسألة  الاعتقالات الاعتباطية لاحظ التقرير، ان الاجهزة كفت عن اعتقال المواطنين اللبنانيين اعتباطا منذ نهاية سنة 2004 وكل حالات التوقيف التي جرت منذ مطلع السنة 2005 كانت تتم وفقا للأصول لجهة مذكرات التوقيف وحضور المحامين الاستجوابات وكل الآليات المتصلة التي تؤمن الدفاع اللائق وشروطه.

وعن المعتقلين في السجون السورية رأى التقرير انه لا يمكن تحديد عددهم وأعربت عن خشيتها على مصيرهم واوضاعهم والتي تحظى ايضا بانتباه منظمات حقوق الانسان العالمية.

وفي بند المحاكمات العادلة تحدث التقرير عن المحاكم العسكرية لا تزال تشكل انتهاكا كبيرا لحق الحصول على محاكمة عادلة، خصوصا ان هذه المحكمة التي انشئت سنة 1967 بعيدة جدا عن التزام معايير المحكمة العادلة. واشار التقرير الى قضيتين قضائيتين أولاهما ملف قيادة حزب "حراس الارز" والاخرى ملف: "أصدقاء حبيب الشرتوني ونبيل العلم" حيث جرى توقيف ستة اشخاص، وترى المؤسسة ان مواقف المتهمين في هذين الملفين تبقى ضمن اطار حرية التعبير والراي.

وتحت باب الاختفاءات القسرية عرض التقرير الى استمرار السلطات الاسرائيلية في احتجاز عدد من اللبنانيين، في حين يشكل المعتقلون اللبنانيون في السجون السورية حالة مختلفة، اذ ان السلطات السورية لا تجد نفسها تحت أي نوع من الضغط لتقديم معلومات عن المعتقلين لديها الذين تستمر المطالبة بهم بواسطة لجنة لبنانية ومنظمات حقوق الانسان العالمية. وأدى الكشف عن المقابر الجماعية في عنجر الى لفت الانتباه الى أهمية تشكيل لجنة تحقيق دولية في الموضوع. وتناول التقرير مسألة الانتهاكات ضد حقوق الانسان في المخيمات الفلسطينية حيث تسيطر المنظمات الموالية لسوريا وتفرض سلطتها على أجزاء من المخيمات الفلسطينية وتقوم بفرض عدالتها الخاصة، لا سيما ضد معارضيها.

وعن أوضاع السجون اعتبر التقرير انها لا تستجيب المعايير الدولية المتعارف عليها، وهناك 18 سجنا في لبنان تضم خمسة الاف سجين في حين ان طاقتها الاستيعابية لا تتجاوز 2000 سجين. ويقيم السجناء الخمسة آلاف في  ظروف صعبة جدا ويفتقرون الى الكثير من الامور. والى جانب السجون العادية هناك سجن خاص بالامن العام اللبناني. والاهم ان الحكومة اللبنانية لا تسمح لمنظمات حقوق الانسان بزيارة السجون وتفقد أوضاعها.

وفي باب الحقوق الاجتماعية والتمييز العنصري قال التقرير ان الدستور اللبناني يدعو الى المساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين دون وساطة او محسوبية، ولكن رغم ذلك يستمر التمييز ضد المرأة وكذلك التمييز الديني.

وفي مجال التمييز ضد المرأة لا تزال تسجل حالات اغتصاب وبوتيرة مرتفعة رغم غياب احصاء موثق لهذه الحالات. ويجمع الخبراء على أن أكثر اللواتي يتعرضن للاغتصاب لا يعلنون عن ذلك مخافة جلب العار لأنفسهن ولعائلاتهن. كما يعتقد الاطباء والمساعدات الاجتماعيات ومعظم النساء اللواتي يتعرضن للاعتداءات الجنسية لا يسعون وراء المساعدة الطبية، كما ان الحكومة لا تملك برنامجا لمساعدة النساء الضحايا لا طبيا ولا قضائيا.

وعن حقوق الطفل، قال التقرير ان عددا غير محدد من الاطفال يتعرضون للاهمال والاستغلال الى درجة بيعهم الى وكالات التبني، وهناك المئات من الاطفال المشردين في الشوارع على مختلف الاراضي اللبنانية والذين يعتاشون من التسول او العمل بأجر متدن وفي ظروف قاسية جدا. أما المعوقون اللبنانيون فيحظون بمساعدة أكثر من مئة جمعية ومؤسسة لبنانية تفتقر معظمها الى الامكانات المادية اللازمة. وعن اللاجئين الفلسطينيين الذين قدرت "أونروا" عددهم سنة 1996 بـ352 الفا في حين تقدر أوساط موثوق بها عددهم بـ200 الف فقط. فهم يعيشون في ظروف صعبة. أما في ما يخص مسألة اللجوء السياسي فان الحكومة اللبنانية تنحو الى الحد من تدفق طالبي اللجوء. ولقد سجل خلال سنة 2005 اقدام السلطة اللبنانية على وقف التمييز ضد الفلسطنيين في سوق العمل بحيث سمح للاجئين الفلسطينيين بممارسة كل المهن والاعمال، في حين يستمر منع اللاجئين الفلسطينيين من التملك في لبنان استنادا الى قانون ملكية الاجانب (...).