حزب حرَّاس الأرز ــ حركة القوميّة اللبنانية

 

صدر عن حزب حرَّاس الأرز ــ حركة القوميّة اللبنانية، الرسالة التالية:

 

تعليقاً على بياننا الأخير تلقينا رسالة من صديق نحبّه ويحبنا يقول فيها: "... عن أي بلد تتحدث وعن أي شعب؟ شعبنا غير متجانس وغير منسجم، إضافةً إلى الخلافات المارونية الحادة. أين القادة الشرفاء، وأين النزاهة عند المسؤولين؟ لا تترجى خيراً... إنه حديث خرافةٍ..." إلى آخر الرسالة.

 

ما يقوله صديقنا هو لسان حال أكثرية اللبنانيين، ومردّه برأينا حالة القرَف واليأس المخيّمة على البلاد والعباد بعد عهودٍ من الحروب والإحتلالات والأزمات المتناسلة والمتراكمة، وفي ظل متزعّمين معظمهم من صنف الأبالسة وعبدة الشياطين، مِمّا أدّى إلى شرذمة الشعب وتحويله إلى قبائل غير متجانسة، إنما في الشكل لا في الجوهر.

 

عندما نتحدّث عن الشعب اللبناني نقصد الأصالة الكامنة في أعماقه، وعراقته التاريخية الضاربة في عمق الزمان والتي لا تمحوها ظروفٌ عابرة مهما ساءَت؛ لذلك قلنا خلاف الشعب هو في الشكل لا في الجوهر، بينما خلاف أهل السياسة هو في الشكل والجوهر نسبةً لطينتهم الرديئة بامتياز.

 

وربّ قائل، كما تكونوا يولّى عليكم، أو هذه الطينة من ذلك العجين، بينما الصحيح، كما يولّى عليكم تكونون، ومَثلُ الراعي الصالح صارخ في الإنجيل، فهو يقود القطيع إلى المراعي، بينما الراعي الطالح يقودهُ إلى المسالخ، وكما ان فساد السمكة يبدأ في رأسها كذلك فساد الأمم يبدأ في قادتها.

 

وعندما نتحدّث عن لبنان نتحدّث عن شعب بنى امبراطوريتين، الأولى حكمت شعوب البحر المتوسط حوالي خمسة قرون بواسطة العِلم والمعرفة والتبادل التجاري، وبلغت سفنها سواحل الأميركيتين، ونقلت الحضارة الفينيقية إلى شعوب أوروبا عِبرَ بلاد الإغريق ومنها إلى بقية العالم. والثانية تحدّت الإمبراطورية الرومانية في عقر دارها، وحاصرت عاصمتها ۱٥ عاماً، ولو أقدم هنيبعل على دخول روما بدل الإكتفاء بمحاصرتها لكان غيّر وجه التاريخ... وبما ان الحاضر هو امتداد للماضي، والمستقبل امتداد للحاضر، فاننا أبناء هذا الشعب العظيم وأحفاده، وعليه نعود ونؤكّد ان الحالة المَرَضية الراهنة لا تعبّر عن عراقة شعبنا بل عن ضحالة قادتنا، وهي لا بُدّ عابرة.

 

وربّ قائل أيضاً ان هذا من الماضي، ولكن التاريخ المعاصر والحديث لا يقلّ شأناً عن التاريخ القديم، فالأمير فخر الدين الكبير استطاع ان يقيم لبنان الكبير من حلب إلى عكا إلى عريش مصر بعد ان تغلّب على جيوش والي الشام المدعومة من الباب العالي، مِمّا أجبر هذا الأخير على الإعتراف باستقلال لبنان الذاتي بحدوده المذكورة خلافاً لبقية الأمم التي بقيت رازحة تحت نير الإحتلال العثماني.

 

ان تاريخ شعبنا النضالي لم يهدأ يوماً ولم يتوقف، بل بقي متواصلاً في الزمان والمكان وكأنه قدرٌ محتوم كُتب علينا فقبلنا به. ففي الربع الأخير من القرن الماضي اجتمعت على لبنان الأمم الكبيرة والصغيرة وفق مخطط دولي ـ إقليمي كان يقضي باستبدال الدولة اللبنانية بدولةٍ فلسطينية، فاستطاع هذا الشعب منفرداً مستفرَداً، وبامكانيات متواضعة وأسلحة بدائية من دحر جحافل المنظمات الفلسطينية تساندها طوابير المرتزقة المتنوعة المشارب مضافة إلى فصائل الإرهاب العالمي... ثم عاد بعد سنتين ودحر جيش الإحتلال السوري، وأقام في وجهه مناطق حرّة وحصينة كانت مُعدّة لتحرير بقيّة المناطق المحتلة قبل ان تعود وتسقط من الداخل بفعل الصراع على السلطة والمال.

 

ونتحدّث أيضاً عن الشعب الذي زحف إلى بعبدا ليحمي بجسده العاري سيّد القصر من حِمَم الراجمات والصواريخ السورية يوم كان القصر بيت الشعب ورمزاً للصمود والكرامة الوطنية.

 

وبفعل تراكم القهر والظلم والإستبداد، عاد وزحف إلى ساحة الشهداء أو ساحة الحرّية من كل الطوائف والمناطق والمذاهب، متلاحماً في ثورةٍ شعبية لم يشهد مثلها العالم، فأجبرت القوّات السورية على الجلاء من كل الأراضي اللبنانية بعد ثلاثين سنة من التسلط والإحتلال.

 

امّا عن الطائفة المارونية، فكلنا يعرف مدى الإنحطاط الذي بلغته معظم قياداتها السياسية والروحية، ولكن عندما نتحدّث عن الحالة المارونية نعني الآباء القدّيسين في العاقورة وجبّة بشرّي وإهدن ووادي قنوبين ويانوح وكفرحيّ وغيرها حيث عِطر القداسة ما زال يفوح في أرجائها، فأُعطوا مجد لبنان حيث كانوا قدوة في التضحية والبطولة والنضال المستميت في سبيل إستقلال لبنان والذود عن حياضه في ظروفٍ بالغة القساوة.

 

وأخيراً وليس آخراً نتحدّث عن عائلة بو زيّان التي قدّمت على مذبح لبنان ثلاثة أخوة استشهدوا على جبهات الشرف الواحد تلوَ الآخر، وخلال مراسم تشييع الشهيد الثالث تقدّم مني والدهم بعد أن رأى الدمعة في عيني وقال: لا تحزن يا سيّدي، ما زال عندي ثلاثة آخرين على قيد الحياة وهم رهن الإشارة!!! عن هذا الوالد نتحدّث، وعن هذا النموذج الرائع الذي يتقن ثقافة الإستشهاد من أجل صناعة الحياة، والذي يجسّد روح هذا الشعب الطيّب وفرادة نُبله وعظمته.

 

فيا صديقنا الكريم كن على يقين ان لبنان باقٍ والحقيقة اللبنانية باقية، وكلهم زائلون.

 

لبَّـيك لبـنان

  أبو أرز

 

 في ۲۹ تشرين الأول ٢٠١٠.