المارونية في ذكرى شفيعها وأبيها

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

‏في 9 شباط، يحتفل لبنان والموارنة مقيمين ومهاجرين بذكرى المؤسس والشفيع القديس مارون العظيم. فوق قمة جبل قورش في النصف الأخير من القرن الرابع عاش، وحوالي سنة 410 غادر الدنيا ومنه في القداسة عبقُ شذى. هيهات لو عرف الأبناء قيمة حياة زعيم الزهد والانصراف إلى الصلاة. أين هم الموارنة اليوم من تعاليم أبيهم الروحي وقديسهم الكبير في مطلع قرن الواحد والعشرين؟

لقد تمكن الموارنة الأجداد طوال 1600 سنة نضال وصبر وعناد ومقاومة وصمود من المحافظة على كنيسة ومعتقد، كيان وشخصية، رغم كل الصعاب والعراقيل التي واجهتهم بهدف اقتلاعهم من الجذور وتشتيتهم وتحويلهم عن معتقد وحرية هما لهم الماء والخبز. لقد جابهوا الأقسى من حملات الاضطهاد، الدموية المتكررة، وما يزالون، بالثبات والإيمان التصدّي والاستشهاد، تخلوا من أجل الاحتفاظ بحريتهم عن سهول إنطاكية الخصبة واستوطنوا جبال لبنان المنيعة العاصية، فردوا سكانها الأصليين إلى المارونية، ومع مسيحيي المناطق الساحلية أسسوا أمة وقومية نشبت شروشها في تربة وطن الأرز فالتصقوا بها وأمسوا جزءأ منها لا يتجزّء بعد أن جبلوها بدماء شهدائهم والدموع جاعلين منها مهد قداسة وشهد قديسين.

أوجد الموارنة في لبنان عموماً، وفي منطقة الجبّة ووادي قاديشا وقنوبين (شمال لبنان) بنوع خاص، أمة لها عاداتها وتقاليدها ونزعتها إلى الاستقلال، فصانوا كيانهم بفضل تماسكهم والتفافهم حول بطاركتهم وأساقفتهم وكهنتهم ونسّاكهم، وهذا ما ميزهم وما زال عن غيرهم من ‏المجموعات الشرق أوسطية الأخرى.

وكم خلال تاريخهم الطويل مروا بمحن وأزمات متنوعة وكثيرة، وخرجوا منها باستمرار منتصرين مظفرين بأكاليل القداسة والفضل يعود إلى قوة إيمانهم وجرأتهم على الشهادة للحق وعنادهم في رفض المساومة على ثوابتهم الدينية والوطنية والأخلاقية. أما الضيقة التي يواجهونها اليوم، وإن طالت وبدت مستعصية للمحبطين وقليلي الإيمان من رجال دنيا ودين، فإنهم بإذن الله سيخرجون منها مرفوعي الرأس وفي نفوسهم الأبية شحنات جديدة من العناد المحق، وفي وجدانهم نقاوة وشفافية أجدادهم، وفي قلوبهم نفحات من قداسة أبيهم القديس مارون.

فإلى شفيعنا وأبينا القديس مارون نضرع طالبين نِعَم ثبات الإيمان والتقى.

يا شفيعنا، أعطِ المؤمنين من القيمين على كنيستنا الصحة والقوة وثبات الإيمان ليتمكنوا من  حمل مشعل الحريات ورفع راية حقوق الإنسان والشهادة لقضية التحرر، ولتبقى بكركي التي أُعطيَ لها مجد لبنان صوتاً صارخاً مدوياً بوجه الظلم والظالمين.

يا مارون شفيعنا، رد عن طائفتنا شر الرعاة الضالين والمضلّلين الذين باعوا أنفسهم ويسوقون لروحية الخنوع والاستسلام.

يا قديسنا، قوِ إيمان المترددين من أبناء شعبنا ورد عنهم شر ومكائد الذين يعملون بغير تعاليم الإنجيل المقدس.

يا شفيعنا، قو صبر المعتقلين اعتباطاً داخل لبنان ومعتقلاته، وفي ‏السجون السورية كما قويت إيمان المرسلين والقديسين، ورد المبعدين من ‏قادتنا الأشراف.

يا فخر النساك، ثبت عزيمة أهلنا الواقعين تحت نير الاحتلال وحكم ‏الواجهات ليتمكنوا بعناد مستديم رفض مبدأ الأمر الواقع.

يا سليل الكنعانيين والآراميين، رد المهجرين والمنفيين عن أرض كنعان، وأرجع المبعدين منهم وأعطهم جرأة على الكلام ونعمة الصبر.

يا شفيعنا، ساعدنا لننقي ضمائرنا ولنقدر على مسامحة الذين أساءوا ‏لوطننا ولقيمه وتآمروا علي شعبنا وشردوه في أصقاع المعمور.

يا حامي جبل قورش، أعد للبنانيين استقلال أرضهم، وطن الرسالة والطهارة والقداسة والعفاف.

يا سليل اغناطيوس النوراني أُسقفِ إنطاكية الأول خليفة بطرس، نجنا من شر رعاة استبدلوا أنوار السماء ببريق الفضة والذهب. 

يا ماروننا، أعد السلام إلى العالم والمحبة إلى قلوب الذين تحجرت ‏أحاسيسُهم وتخدرت ضمائرهم.

ازرع في النفوس كلمة الحق وقوي مناديها ليبقوا كيوحنا مارون، وحجولا والدويهي والحويك وعريضة والحدشيتي.

يا شفيعنا، لتكن صلاتك معنا، وبركت علينا، ونعمك على أهلنا ولبناننا.

مبدد الأبالسة بقوة صلاتك، رد لوطننا الطُمأنينة والمحبة، وأرجع إلى ربوعه الصفاء ليعود كما كان، وكما يجب أن يكون، واحة للسلام وملاذاً ‏لكل معذب ومقهور ومضطهد وملهوف.

9/2/2005