عصفورية أهل الطائف والربع

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

حال متوَّلي الحكم في لبنان، من رؤساء ونواب ورسميين وسياسيين، كَحَال زملائهم متعهدي مسرحيات المقاومة والإيديولوجيات القومية والأصولية. شواذ عقلي بامتياز يشخِّصُه الطب النفسي بـ "الفصام Schizophrenia"، طبقاً للظواهر والأعراض النافرة بفقعتها الفاقعة بنفورها.

لقد انسلخ أهل الطائف هؤلاء ورَبْعِهم عن الواقع المحيط بهم، فبنوا لأنفسهم عالماً على الرمل من خيال وأوهام ثم صونوه بأسوار جهلهم التابع وتبعيتهم الجاهلة.

نعم أغلقوا منافذ العقل والمنطق وسلموا المفاتيح إلى والي البعث القابع سعيداً مقهقهاً في عنجر.

إن الفصام - عِلْميَّاً - مرضٌ عقلي غير معدي، غير أن فصام القوم عندنا جرثومته جاءتهم من جيرانهم حكام بعث الشقيقة الشاقة الشقية، ومن "فيروسات" صحاري ربوع الإيديولوجيات الخالية والأصوليات البالية.

أما العلاج الناجع لِعِلَل كل هؤلاء، فهو نفس العلاج الاستئصالي الصدمي الذي شفى صدام وأعاده مع بطَّانيته إلى عالم الواقع وخلص العراقيين من الظلم والاستبداد.

أي حاكم، سياسي، أو رجل دين عاقل ذاك الذي يقرأ في كتاب الاحتلال ويقول إن القرار الدولي 1559 المُطالب باستعادة الاستقلال المُغيَّب، واسترداد الحريات المكبوتة، والسيادة المنتهكة والقرار الرهينة، هو مصلحة إسرائيلية، واستهداف لسوريا ومشروع  فتنة داخلية؟

أية رجاحة عقل لقادة ومراجع ورؤساء يرفضون تحرير وطنهم من رجس جيوش غريبة، ويُعيقون بسط سلطة دولتهم وحماية حدودها بواسطة قواها الذاتية وحصر السلاح بها فقط؟

أليس عيب أن يقفوا عثرة في وجه التحرير من تعدِّيات مليشيات أصولية، وهمجية بمجموعات إرهابية، ويعرقلون الجهد الدولي لوضع لبنان مجدداً في مصاف الدول المستقلة؟

أين الحكمة والضمير في ربط "فخامة العماد لحود والأفندي كرامي والأستاذ بري" ومعهم وزير الدفاع عبد الرحيم مراد أمر عودة لبنان لأهله بتنفيذ كل القرارات الدولية الـ 1300 المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي ومنها  رقم 194(صادر في 12/11/1948)، رقم 242 (صادر في 22/11/1967)، ورقم 338 (صادر في 25/1/1973).

لقد مضى على هذا الصراع ما يقارب المائة سنة منذ "وعد بلفور" (صادر في 2/11/1916)، وهو صراع مزمن مُعقد قد لا يجد حلاً كاملاً وشاملاً لمائة سنة قادمة.

فهل من العقل بشيء أن يبقى لبنان رهينة، محتل، مهمَّش، فاقد لقراره وشعبه يجلد ويصلب كل يوم، في حين أن الدول العربية كافة وفي مقدمتهم الشقيقة والفلسطينيين قد تصالحوا مع دولة إسرائيل واعترفوا بكيانها وانهوا حالة الحرب معها، بعد أن أقاموا العلاقات الدبلوماسية وعقدوا الاتفاقات التجارية؟

لا يمكن للطب النفسي أن يصنف أي لبناني بالعاقل وهو يربط مصير وطنه وشعبه تحديداً بالقرار الدولي 194 المطالب بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم، في حين أن القمة العربية التي عقدت مؤخراً في بيروت برئاسة "فخامة" العماد لحود كانت أقرت بعدم اتخاذ أي قرار لا توافق عليه إسرائيل التي ترفض رفضاً قاطعاً عودة فلسطيني الشتات.

أما المضحك والمبكي في مسرحية الصنوج عندنا فهو منطق وزير الإعلام "الصّحافي" الفكر والهوى، ايلي الفرزلي، القائل بأن تنفيذ القرار الدولي 1559 يفضي إلى توطين الفلسطينيين في لبنان، وإلى إحداث فتنة أهلية، ويمنع تجريد المخيمات من السلاح.

وفي نفس السياق أصاب عارض إسهال تقيء التصريحات المشككة في مصداقية القرار 1559 كل من الدكتور الحص والقنديل وأبو جسوم قانصو وباقي المداحين والقداحين المهرِّجين بالأجرة.

أما السيد حسن نصر الله المعني حزبه مباشرة ببند أساسي من بنود القرار 1559 فقد دعا إلى استفتاء شعبي حول بقاء السلاح مع حزبه، واستمرار وجود الجيش السوري في لبنان.

عجيب كيف يُقولب السيد الديموقراطية لتتماشى مع مخططاته وللإبقاء على دويلته ونفوذها المسروق من دولة-مزرعة. فتارة يقول "نحن جيش سوريا إن هي انسحبت"، وطوراً يهول بعصى الأكثرية العددية، وتارة أخرى يلتحف الأكفان، ودائماً حامي الحمى ومنظِّر في شأني الخيانة والوطنية. 

فإذا كانت علة متولِّي الحكم إصابتهم بمرض الفصام، فهل مشكلة السيد هي التعلق بالخرافة!!

فهو يُهين ويُحقر ويستغبي وطنية ولبنانية اللبنانيين، ويستهين كثيراً بذكائهم وسعة إطلاعهم على كل كبيرة وصغيرة، مقاومتية وغير مقاومتية، وإن صمتوا وسايروا في الوقت الراهن!!

أن مطلب السيد بالاستفتاء حول وجود جيش الاحتلال السوري، هو إهانة مدوِّية لكرامة اللبنانيين واستفزازاً لهم وللقيم. فهم ويعرف سماحته ما قبلوا يوماً بمحتل ولا رضخوا لغريب.

إن مطلب السيد يعني بكل بساطة رفضه للمادة الدستورية التي تقول إن "لبنان وطن حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، أرضاً وشعباً ومؤسسات، في حدوده المنصوص عنها في الدستور والمعترف بها دولياً"، فهل تفضل السيد وفسر للبنانيين خلفية رفضه هذا؟

يبقى أن القرار 1559 سينفذ شاءت سوريا أم أبت، فيا ليتهم عندنا يستفيقون قادة ورسميين ورجال دنيا ودين هذه الحقيقة الخالعة، ومنهم مَن الفصام والاستكبار عِلَّته، لِذا ننصحه بمراجعة أقرب عيادة نفسية فالعلاجات، والحمد لله، متوفرة وهي مستوردة من بلاد العم سام وديار الأم الحنونة، وقد عالجت صدام وبعثه من مرض شبيه وشفتهم، فمن له أذنان سامعتان فليسمع ويستلحق نفسه قبل فوات الأوان.

في الختام نقول إن لا حرج على المريض، والله غفور رحوم لمن يطلب التوبة ويسعى إليها.

28/1/2005