أمـهات المعتقلين بَكَيْنَ في عيدهنّ

عاد: نريدهم ولو كانوا أمواتاً

كتبت ماري كلير فغالي: النهار 22/3/2006

"تقبر امك وينك يا ابني اشتقت لك، ولو بعالم ثاني والله بوصلك... بوصل تحت إجريهم بركع اترجاهم ولنّو نهار مع امك على بيتك ترجع، او نتبادل بالادوار... اتحمل ربع اللي حملتو، اتحمل ذنب اللي ما عملتو وآخد من اثرك تذكار(...)”. كلمات الاغنية الحزينة تصدح امام بيت الامم المتحدة في بيروت على وقع دمعات امهات المعتقلين اللبنانيين والمخفيين قسراً في السجون السورية والاسرائيلية. صار بينهن وبين ارصفة الحديقة المنمّقة امام مبنى الاشباح الزجاجي ألفة غريبة: يعرفن كل شبر منها. كل بلاطة، ارتوت بدموعهن منذ 11 شهراً الى اليوم. كثيرات اتشحن بالسواد، تضامناً مع امهات شهداء الجيش اللواتي تقاسمن معهن شتاء الحديقة وصيفها. في قلوبهن، امل كنور شمعة في مهب الريح بأن يعود ابناؤهن احياء، امل هارب يطرد شبه الحداد المفروض عليهن. خائفات. حزينات، ما يلبثن ان يغرقن في غصة جديدة لا متناهية: يرعبهن ان يأتي يوم يصرخ فيه حلم الغمرة بأن ولدهن صار رفاتاً.

بدعوة من هيئة "التيار الوطني الحر" في الاشرفية، اقيم في حديقة جبران خليل جبران امام مقر "الاسكوا" في بيروت اعتصام تضامناً مع امهات المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية والاسرائيلية، شارك فيه الى اهالي المعتقلين ورئيس لجنة "سوليد" غازي عاد النائب سليم عون ومنسق هيئة "التيار" في الاشرفية ميشال متني وعشرات المناصرين.

وبعد كلمة خنقها البكاء لفؤاد ديب (والد احد المعتقلين) طالب فيها الامم المتحدة بتأدية واجبها في ايلاء ملف المعتقلين حقه، حض متني البعثة الدولية للجنة الصليب الاحمر على دخول السجون للإطلاع على اوضاع المعتقلين فيها.

 

اما فيوليت ناصيف فألقت باسم لجنة الامهات والمعتقلين كلمة جاء فيها: "كل مرة يزورنا شباب وصبايا ليشاركونا لوعة الفراق، أسأل ماذا اقول بعد(...) جئتم اليوم تقولون: ينعاد عليكن... ينعاد علينا؟ وكيف؟ ابالانتظار والقلق على مصير فلذات أكبادنا؟ انتم اكثر من يعرف معنى ان تكون الام ساهرة تنتظر عودة ابنها. بعضنا ينتظر منذ 30 سنة وآخرون منذ 15 سنة، وصار لنا في هذه الخيمة 11 شهراً نترقب تحركاً جدياً من الدولة الحنونة. وسنبقى ننتظر ونصرخ: بدنا ولادنا".

 

اما عون فقال: "يعود عيدكن وفي قلوبنا غضة وعلى شفاهنا صرخة الى متى. الى متى ننتظر رجوع من أنار حياتنا وأغناها وأعطاها معنى؟ بالامس كان لقاؤنا مع عشرة من ابنائنا رقدوا سنين طويلة في ملاعب يدوسها رفاق لهم، ونحن بعد كنا نأمل رؤيتهم احياء. عادوا ابطالا لكنهم استشهدوا ثلاث مرات: دافعوا عن وطنهم يوم عزت المروءة والشهامة والشرف، فسقطوا واستشهدوا مرة اولى. تألموا في قبورهم بعدما تجاهلهم من وجب عليه تكريمهم كي لا يضيع على نفسه مركزا اشتهاه، فاستشهدوا مرة ثانية. وهم اليوم يحرمون ان ينادوا امهاتهم الثكالى، ومعهم مات بعض الانسانية، فاستشهدوا ثلاثا(...). لم يعد الكلام ينفع، والمسؤولون يصمون آذانهم. اي دولة تلك التي تتغاضى عن مصير مواطنيها الموزعين على سجون اعداء واشقاء؟ نحن في التيار الوطني الحر نعد حملة توقظ الضمير العالمي كي ينشئ لجنة تحقيق دولية او لجنة تقصي حقائق لكشف مصير ابنائنا واخواتنا. فنحن ايضاً نريد الحقيقة، ونؤمن بأنها وحدها تحررنا، نتطلع الى المستقبل بعد ان يتاح لنا معرفة الماضي".

اما عاد فقال: "بعد الحملة التي لا تعرف اليأس والتي يقوم بها اهالي المعتقلين والمفقودين على ايدي اجهزة المخابرات السورية، وبعد كشف المقبرة الجماعية في اليرزة والتعرف الى جثث شهداء الجيش الذين سقطوا في جريمة حرب على ايدي القوة السورية المهاجمة، وبعد كل الاتهامات بأن تحركنا يستغل القضية لأهداف سياسية والقول بأن كل من نطالب بعودتهم اموات نطلق صرخة اليوم في وجه من ارتكبوا جريمة الاخفاء القسري بحق مواطنين لبنانيين منذ عام 1976 الى اليوم، وبوجه كل من غطى هذه الجريمة وتكتم عنها من حكام ومسؤولين. لهؤلاء نقول: ربما كان كل من نطالب بمعرفة مصيرهم امواتاً. لكنكم انتم مسؤولون عن تحديد مصيرهم واسباب وفاتهم والاعذار لسكوتكم عن الجريمة على مدى السنوات الماضية. نريدهم حتى لو كانوا امواتا، نريد جثثهم اليوم قبل غد. فكفى تهرباً من مسؤولياتكم لأن التاريخ والقانون سيدينانكم. ونعيد التذكير بمطالبتنا بلجنة تحقيق دولية لكشف مصير المعتقلين، لأن الاستمرار في اخفائهم جريمة ضد الانسانية لا يجوز ان تستمر. كفى تذرعاً بلجنة لبنانية سورية مشتركة فارغة لا تأتي نفعاً. نريدهم اليوم، ولو امواتاً".