محاضرة ادمــون رزق ‏ فـي مؤتمر ‏مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك المسيحيّون في الشرق‏
الحضور والرسالة

بزمّار، 17 تشرين الاول 2006‏

أصحاب الغبطة والسيادة
عندما عُهِدَ اليّ أن أُدلي بشهادةٍ في مؤتمركم الجليل، مَـسَّـتـني رَهبةُ المسؤولية، فآليتُ ان اتوجّهَ اليكم ‏بخَشعةِ الصلاةِ، وها اني أُحاول تبليغاً:‏
سادتي الاجلاء،
بالرغم من تحفّظها، وحرصِها على تدويرِ الزوايا، تحاشياً لمواجهة اعلامية، تثير مزيداً من الاستهداف ‏الاصولي، المتنامي العدائيةِ نحو الآخر المختلف، الموسومِ بالصليب، و"الموصومِ" بالصليبيّة، فان التقارير التي قدّمها ‏معنيّون مختصّون، من مختلف الكنائس، وزوّدتني بها الأمانة العامة مشكورةً، اجمعت على أن الحضور المسيحي ‏في الشرق، والعالم العربي تحديداً، الى تقلّصٍ وانحسار، وتالياً، أن "المسألة الشرقيّة" او "قضيّة المشرق" ‏La ‎question d’Orient، المطروحةَ تاريخياً، باتت تتجاوز الكيانيّة الى الوجود.‏
فباستثناء لبنان، ثمةَ واقعٌ، هو ان حقوق المواطَنة للمسيحيين، منتقصَـةٌ عموماً، في دول تمارس تمييزاً ‏دينياً بين اهلها.‏
ان تناقُصَ عدد المسيحيين في هذه الدول، هو نتيجةٌ وسبب في آنٍٍ واحد. انّه نتيجة الشعور الاقلّي، الذي ‏يُحْكِمُ عقدةَ الغربة في الديار، ويدفع الى الهجرةِ عنها، التماساً للتكافؤ، في مجتمعاتٍ ديموقراطية، تعترف بحقوق ‏الانسان، ولو اعترت تطبيقَ اعلانِها العالمي شوائبُ وانتهاكات، حتى في اكثر الدول ادعاءً لها. والتناقصُ سببٌ ‏ايضاً، لتدنّي الفاعليّة، وتهميش المكانة، بحيث لا يشكّل المسيحيون القلّة، ثقلاً في حِسبان الكثرة، ولا يضطلعون ‏بدور يعوّض الخلل الديموغرافي، بالتميُّز النوعي.‏

تدلُّ الاحصاءات المتوافرة من شتّى الكنائس، سواءٌ المارونيّةُ والسريانية، الروم الملكية الكاثوليكية، ‏الارمنية، الكلدانية، القبطيّة واللاتينية، في لبنان وسوريا، ومصر والاردن، وفلسطين، والعراق، ان نسبةً مرتفعةً من ‏ابنائها قد هجرت أوطانها الى بلدان الانتشار، حيث تجد صعوبة في المحافظة على خصوصيّتها، وتنقطع شيئاً فشيئاً ‏عن مساقِطِها، لتندمجَ اجيالها التالية في مجتمعات جديدة، توفّر لها حداً من كرامة العيش، والمساواة في المعاملة، ‏وفُرَصِ التقدّم، من دون مِنّةٍ او خَشية.‏
هذا، دون تخصيص دراسة معمّقة للمأساة المزمنة التي يعيشها مسيحيو السودان، وحروب الجنوب التي ‏هدأت بعد عقود، بوساطة وتدخّل دوليّين، ادّيا الى اتفاقٍ شبه قسريّ، اقرّت فيه الحكومة المركزية بالتعدديّة، ‏واعترفت بحقوق "الثوار".‏
تعزو التقارير المضمومة الى ملفّ الأمانـة العامة المحترمة، الهجرة القديمة- الحديثة، والمتفاقمة، الى ‏أسباب مباشرة، متداخلة ومترابطة، أخصّها التصنيف الوطني والاجتماعي، الذي يُضعف حِسّ الانتماء، ويحفّز على ‏التفتيش عن مجالات حيويّة في اي اتجاه متاح. فالانسان القلق والمهدّد، المحتاج الى مقوّمات العيش، لا يجد مناصاً ‏من قطع حبل السرّة، للخلاص من وضع مستحيل. انها قصة الوجود المسيحي في مهدِ المسيحيّة: ملحمةُ شَهادةٍ، ‏ومسلسلُ فواجع.‏
ثمة حقيقةٌ جليّةٌ، وهي أن المسيحيين مَقصيّونَ عن مواقع السلطة السياسية، على امتداد دول المشرق، خلا ‏لبنان... (وربما السودان اخيراً، في شكل رمزيّ)، وليسوا شركاء في القرار العربي، إلاّ من خلال الهامش المتروكِ ‏للبنان، حتى الآن، في الاحوال العادية، ومراحل التوازن الهَشّ بين مكوّناته.‏
وطبيعيٌ ان ينسحبَ القِصَرُ السياسي، على الاقتصاد، ومستوى المعيشة، ونمط الحياة.‏

في هذا الصدد، يقدّم النموذجُ العراقيُّ صورة معبّرة، لتغيّر الازمنة، وتبدّل المعادلات، وسقوط الحضارات، ‏وانقراض السلالات. ويلفتنا تقرير سيادة المطران جان سليمان، في وصف حاليّةٍ تمثّل مرحلةً متقدمة لما قد ينتظر ‏المسيحيين في دول أُخرى. هذا، مع التبصّر في مدلول ما يتعرّض له اقباط مصر، أهلُها الأصليون، وهم اكثرية ‏مسيحيي الشرق، ومن غير ان نتطرّق الى وضع المسيحيين في ايران، تحت حكم الجمهورية الاسلامية.‏
وكم يدعو الى التأمّل، الاحصاء الذي أوردَهُ غبطة البطريرك ميشال صبّاح، عن ان مجموع المسيحيين، ‏في الاردن وفلسطين واسرائيل، يكاد لا يتجاوز عددَهم في بيتَ لحمَ والقدس، منذ عقود.‏
إنّ الوجود المسيحي في الشرق، بمعنى الحضور والفعالية، بات رمزياً، ويحتاجُ الى حركة نهوض عاجلة، ‏تدرأ الخطر المصيريّ الداهم.‏

الحضور والرسالة

حضرة الآباء المؤتمَنين
حسنٌ ان يقترنَ طرحُ موضوعِ الوجود، بمضمونِ الرسالة.‏
فوحدَها الرسالةُ، اعتناقاً والتزاماً، اضطلاعاً وأداءً، تُوازنُ الخَلَل، تعوّض النقصان، تقوّمُ الحضور.‏
إن الرهانَ على تكاثر المسيحيين، حتى في المدى الابعد، غيرُ واقعي، والتفكيرَ في عودةِ المنتشرين منهم، ‏غيرُ عملي، فما هي البدائلُ "الرسالية" او "الرسولية" التي يُفترض استنباطُها لصونِ الوجودِ المسيحي في الشرق ‏المسلم ؟
يجدر بنا، في البَدءِ، ان نوردَ لمحةً عن الواقعِ الراهن، المطروحِ تحت عنوان صراعِ الحضارات، وَفقاً ‏لتسلسلٍ بديهي:‏

‏1- الاصولية والاستراتيجية الدولية‏
تتأجج الاصولية في انحاء العالم، وقد عرفت مختلف الاديان نماذج منها، في عصور وأمكنة متفاوتة، لكن ‏الاصولية المُحْدَثة، التي تقوم على استهداف عشوائي، دموي قاتل، من دون تخصيص او انتقائية، وبلا ايِّ وازع، ‏نشأت في ظروف سياسية دولية معيّنة، بما قد يُفسَّر أنه ردُّ فعلٍ على طغيانٍ غربيّ، منسوبٍ الى المسيحيّة، على ‏عالم اسلاميّ، ورفضُ السيطرةِ على مصادرِ ثرواتِه، واستتباعِ انظمتِه، التي تفتقرُ الى الديموقراطية.‏
الحقيقة أن الغرب ليس مسيحياً، او، على الاقل، لم يعد كذلك. يكفي التذكير بان "بنت الكنيسة البكر" فرنسا، ‏قادت حركة رفض الاشارة الى المسيحية، ضمن روافد الحضارة، في دستور الاتحاد الاوروبي، لندرك انه، وان ‏كان الدين لا يزال يحرّك مشاعر مجموعات كبيرة، في العالم اجمع، خاصّة بعد مآثر السعيد الذكر البابا يوحنا بولس ‏الثاني، فان العلمانية الاقرب الى الالحاد، هي السائدة، مع الاعتراف بان الحضارة الغربية الجديدة، تتبنّى الكثير من ‏القيم الاخلاقية التي تبشّر بها المسيحيّة، ومعظمها مشـتركةٌ بـيـن سائر الاديان التوحيدية، وقد تُسَمّى احياناً، قيَمَ ‏الجمهورية ‏les valeurs republicaines، من هنا ان الاعتماد على "الحماية" الخارجية لمسيحيي الشرق، التي ‏انطلقت ذات يوم من شراكة الايمان، وائتلافها مع خطط التوسّع، نوعٌ من الوَهْمِ والعَبَث، لان العلاقة الدولية في ‏عالمنا، مرتبطة بالمصالح المادية المباشرة، وليس في الاستراتيجية المعاصرة مكان للعواطف !‏
اذاً، ثمةَ خطرٌ اصولي اكيد، بدليل ما يجري في العراق حتى بين ابناء الدين الواحد، المختلفين مذاهبَ، ‏والمصَـنَّفين أعراقاً ؛ على غرار ما شهدته مجتمعات مسيحية بين الكاثوليك والبروتستانت، وقبل ذلك بين المختلفين ‏على طبيعة المسيح، في حِقَبٍ غيرِ مَنسيّة. ويبدو استهداف المسيحيين اليوم في بلاد الرافدين، مظهراً عادياً لثقافة ‏تعتبرهم نوافِل وأنفالاً، ولا تعترف لهم باي نديّة، الى كونِها جزءاً من ظاهرةٍ عالمية، تسوّغ العنفَ الشامل، وتتوسّل ‏الارهابَ، لاشاعةِ الذعرِ، والحاق الضرر والاذى بالآخرِ المختلف، حتى الموتِ والابادة.‏

مقابلَ هذا الخطر، من الاهمية بمكان ان تأخذ كنائس الغرب، وحاضرةُ الفاتيكان خصوصاً، في عين ‏الاعتبار، وجودَ المسيحيين في الشرق، ضمن العالم الاسلامي، فتكون لها حكمة التوجّه، وسَماح التعامل، والانفتاح، ‏والمودّة، وتتحاشى الاثارات، بممارسة الاحتضان الانساني، تركيزاً على ما يجمع، وتجنباً لما يفرّق، او يُساءُ تأويله.‏
ولا بدّ هنا من الاشارة بألَمٍ الى حجم ردّ الفعل، منذ اسابيع، على مقطع من محاضرة لاهوتية لقداسة البابا، ‏مما يُبيّن مقدار حساسيّة الكلام في بعضِ المواضيع، واهميّة المعرفة الدقيقة بأبعاد طرحها... دون ان نذكّر بما شهده ‏لبنان والعالم من اعمال شغب وعنف، استنكاراً لرسم كاريكاتوري في صحيفة دانماركية، لا تدّعي الانتماء الى ‏المسيحية، ولا تهتّم بالمشاعر الدينية، او بما جرى عندنا، احتجاجاً على برنامج فكاهي.‏

‏2- القربى الروحية
بين المسيحيّة والاسلام قِيَمٌ اخلاقية مشتركة، وقربى روحيّة، فالاسلام يعترف بما "أُنزل للذين" من قبله، ‏يكرّم عيسى ومريم، يُشيد بالحواريين، يدعو الى الكلمة السواء، ويعتبر النصارى "أقرب الناس مَوَدّة". ولئن كان ‏بعض المفسّرين قد جنح الى القول إن القرآن الكريم قصدهم بقوله "الضالّين" في السورة الفاتحة، فذلك لا يمحو ‏السورَ المستفيضة، ولا يلغي الآياتِ البيّناتِ التي تتواصلُ مع الفكرِ المسيحي.‏
جديرٌ بالكنيسة أن تضيء على هذا الجانب المؤتلف بين المسيحية والاسلام، وحريٌّ تجاوزُ الاختلاف، في ‏التعاطي مع الموضوع اللاهوتي، فالمقاربةُ الحسنةُ تقرّب، والسيئةُ تباعد وتستعدي. ولا يجوز بأيِّ شكل أخذُ الاسلامِ ‏كلِّه بجريرة الاسلاميين الذين يسيئون الى دينهم اكثر مما يفعلون بالآخرين، وليس من الانصاف تعميمُ تهمة الارهاب ‏على مليار ونيّف من البشر، نَشَزَت منهم جماعات عرفت المسيحيةُ مثلَها، على امتداد الخلافات والانشقاقات، ‏وحروب العقيدة، وفظاعات المحاكم الميدانية ودواوين الاتهام السياسي المموّه بالعقيدة الدينية ! ولنتذكّر ما شهده ‏جيلنا من ارهاب وإبادة، وجرائم حرب، ارتكبها مسيحيون، والمسيحية منها براء !‏

المرجوّ، في شكل خاص، ان تضطلع كنائسنا الشرقية بدور اساسي، لا في المجاملة وعبارات التملّق، ‏واعلان الولاء للانظمة، بل في إظهار الحقائق، المؤيَدَة بالنصوص، وبتاريخ طويل من الانفتاح والتفاعل، في ‏عصور العقلنة، ضمن حدود الاحترام للنفس وللآخر. ولنتأكد ان الانسان في المطلق، والمسيحيُّ انسان كغيره، لا ‏يحتملُ حياةَ الذلِّ والتبعية. دون ان ننسى امثولات التاريخ في ما تعرّضت له شعوب وأعراق، من قتل جماعي، ‏ومذابح، لا تبارح المخيّلة، وتظلّ وصمةً في تاريخ البشريّة. كما لا يمكننا، ونحن في رحاب هذه البطريركية ‏العريقة، إلاّ ان نستعيد فصول الملحمة الفاجعة التي عاشها الشعب الارمني في شهادته المزدوجة، لايمانه الحيّ، ‏وحضارته الانسانية البهيّة. ولم يكن بعض المسيحيين، عندما سنحت لهم الفرصة، اقلّ اصوليّةً في الانتقام، وممارسة ‏رعب "التطهير العرقي"، من اي مثالٍ راهن.‏

‏3- اركان الشهادة
الشهادة للمسيح تسوّغ الحضور المسيحي، وتقوّمه، في اي مكان، قلَّ العدد أو كَثُر. لانه "لا علو ولا عمق، ‏لا بعدٌ ولا قُرب، لا غنى ولا فَقر" كما لا كثرة ولا قلّة، "تفصلنا عن محبة المسيح"... هكذا، المسيحُ فقط، اسمُه ‏البسيطُ مجرّداً من الألقاب، حتى الالوهة. واي معنى يمكن ان يضيفه نعت الى اسمه ؟!‏
الشهادة قوّة في ذاتها، ولا تحتاج الى "القوة". المسيحية محبّة، مبادئ وقِيَم، وليس مطلوباً من المسيحي إلاّ ‏ان يمارسها، وحسبه ذلك. المسيحيةُ لا تعادي ولا تفتري، لا تنتقم، لا تزيّف، لا تخدع، لا تبغض ولا تحقد ولا تنمّ، ‏لا تسرق ولا تقتل ولا تزني، لا تحسد ولا تسلب، لا تتباهى ولا تتكبّر، حتى بالفكر، لذلك يلوح لي سياقُ الدعوةِ ‏كالآتي:‏

- الهداية
كم يكون رائعاً، بل "مسيحياً"، ان تقوم كنائسنا، بحملة لهداية المسيحيين الى المسيحية. فالمطلوب بالحاح ‏احياء قِيَمِ الدين في المجموعات المعمّدة:‏
‏ ‏il faut reconvertir les Chrétiens au christianisme‎‏ ‏
وضمن دينامية "التبشير الجديد" ‏la nouvelle évangélisation‎
‏"ليس من يقرع صدره ويقول يا رب يا رب، يدخل ملكوت السماء، بل الذي يعمل مشيئة ابي الذي في السماء." ‏المسيحيّة هي الحصانة الحقيقية للمسيحي، لانها ترفعه. ليست مجرَّدَ طقوسٍ، بل ذخائرُ ايمان ! ‏
ليست الكنيسة معرضاً، بل هي هيكل. ليس القداس مشهداً، بل هو مشاركةٌ في القربان، بصفاء الروح. الكاهن ليس ‏ممثّلاً، بل هو مسيحٌ آخر. القراءات ليست تِلاواتٍ ببغائية، بل هي مخاطبةٌ واضحة، هادفة. العِظات ليست إنشاء ‏مُمِلاً، بل رُشدٌ وإِرشاد... الحبريّة ليست ايقوناتٍ وصلباناً، لا ديباجاً ولا ارجواناً، بل خدمة، وخدمة، وخدمة. ‏الحبريّة اتضاع، وان تشدّ حقويك، وتنحني على أرجل المساكين، تغسلها، تجففها بمنديلك، وتقبّلها بشفتيك، لتكون ‏جديراً باسمك وانتسابك. ليست الرئاسة مكاتب ودواوين وجعالات، بل روح وروح، وروح... ولنتذكَّر ان سيّدنا هو ‏المكلَّل بالشوك، لا المتوَّج بالذهب ! ‏
حسنٌ ان تتقاطر الجماهير الى قدّاس أو زيّاح، ونتهافت جموعاً لتناول خبز الحياة، لكن صحّة الصلاة ‏مشروطة بمصالحة الإخوة: "اذهب وصالح أخاك اولاً "!‏
ان تمتماتِ الشفاه، وتعدادَ حبّات السبحة، واستجداءَ القديسين، لنيل الخيرات الدنيوية، ليست صلاة. فلحظة ‏تأمُّل صامت، اعترافٍ وتوبة، لحظةُ غفرانٍ وسَماح، وعملُ رحمةٍ واحد، تُدنينا من عرش الله، تجعلنا في احضانه: ‏‏"رحمةً أُريدُ، لا ذبيحة"... "القلبُ المتخشّع المتواضع لا يرذله الله"... "رفعَ المتواضعين وانزل المتكبّرين عن ‏عروشهم...". ومَن تكون أنت، ايُّهاذا الترابيُّ، فتتجبّر ؟ تخالُ نفسك مالِكَ العالم ؟.. "الليلةَ تؤخذُ منك نفسُك" ! ‏

ب- الوحدة
ان شرذمة المسيحيين، ورواسبَ الانقسامات التاريخية، بين الطوائف والمذاهب، وخلافاتهم حول العقيدة، ‏وتسييسَها، وعبادَةَ "الربّين"، واغراءاتِ السلطةِ الزمنيّةِ، ادّت الى تشتّت قواهم، وقد حان الاوان لايلاء الوحدة، ‏الاهتمامَ الموازي لاهميّتها، وتلك مسؤولية المرجعيات الروحية، ما يحتِّم اعتبار ان العمل على توطيد شِركة ‏الايمان، هو المقياس الحقيقي، لاخلاص المسؤولين في شتى الكنائس... وأن أكون عضواً في جسدِ الكنيسة الحي، ‏هيكلِ المسيح، خيرٌ الفَ مرة من أن اتربّع على عرشِ خلافٍ وانشقاق، أو مِنبَرِ استعلاء، متحدياً وصيّة المعلم: ‏‏"كونوا واحداً"... وإِن تعدّدتم ! فما قيمةُ رؤوسٍ بلا اجساد ؟.. والقابٍ بلا امجاد، وكنائسَ بلا مؤمنين ؟.. بل، ايُّ ‏اضافةٍ تقدّمها العروش والمنابر، التيجان والحلل المرصّعة، الى الكهنوت ؟ وماذا ينفعنا التشبّث بالكيان المنعزل ‏والمنفرد، اذا قادنا الى الزوال والنهاية ؟ ‏
فلتكن الوحدة بداية متجدّدة لنا، وعصمةً جماعية.‏
لقد تجاوز يوحنا بولس الثاني كلمة خلافية من قانون الايمان، عندما صلّى في دمشق، وكان قد اعتذر عن ‏ممارساتٍ لا شأن له بها، راكعاً امام البطريرك المسكوني، يقيناً ان الأجرَ اكبر لمن يأخذ المبادرةَ في المصالحة، ‏ليكون جديراً باسم بطرس !.. ‏
ان الجماعة المسيحية المتبقية في الشرق، مهدّدةٌ بالاضمحلال، ما لم تحقّق درجة كافية من التضامن ‏المخلص، بين جميع مكوّناتها، وحسناً يفعل اصحاب الغبطة، في اعطاء اولويةٍ مطلقةٍ للانتظام المسكوني، مدركين ‏ان الوحدة هي المآل الحتميّ لحركة ارتداد حقيقي، توفّر فرصاً واقعيةً لحياةٍ طبيعية.‏
من الواضح أن للبطاركة الكاثوليك دوراً خاصاً، وعليهم مسؤولية اضافية، داخل مجلس كنائس الشرق ‏الاوسط، من اجل ابتداعِ صيغةِ تعاونٍ وتكامل، بين الكنائس كلها، لانقاذ المصير المشترك. وكم يبدو مستحبّاً توحيد ‏الاعياد المسيحية، مقدمةً بديهية للوحدة.‏

ج- القدوة‏
لا يتمُّ نهوضُ الجماعة إلاّ بيقظة الروح. لا يقظةَ من غير قدوةٍ صالحة. "ليس تلميذٌ افضل من معلمه".‏
استأذنكم هنا اقتباس كلام لغبطة ابينا مار نصرالله صفير، نُقلَ عنه إبّانَ زيارته الرعائية الى الولايات ‏المتحدة، ونشرته "النهار" (الخميس 6 تموز 2006)، وحريٌّ بالمؤتَمَنين على البيعةِ تَرَسُّمه، وقد جاء فيه: "فكرة ‏المسيح القائلة بالمساواة بين المعلم "وتلاميذه من حيث المعاملة. يشقى ويُضطهد كمعلمه ويشارك في امتيازات ‏الآخرة بعد "آلام الصليب لانه "ما من تلميذ اعظم من معلمه ولا خادم اعظم من سيده".‏
‏"القديس يوحنا فم الذهب حدد مزايا الاسقف والكاهن، واصفاً اياه بانه جليل يوحي "بالوقار واللطف... سهل الوصول ‏اليه، غير منحاز، لطيف ومتواضع، لكن غير ذليل."‏
‏".. علينا، نحن الكهنة والرهبان، ان نحسن أداء خدمتنا للناس، مع العلم ان رسالتنا ليست "سهلة، ولكن عهد الله الينا ‏بها، وذلك انعام كبير، وهو دائماً بالقرب منا ليعيننا. يجب "ان تتركز حياتنا على مثال المسيح، المعلم الذي ارانا ‏الطريق بالكلمة وبالفعل، "والوسيلة الفضلى كي نتقدم بالقداسة، هي التأمل في حياته."‏
‏".. من حق الناس، وخصوصاً الشبان، ان ينظروا الى الكهنة آملين ان يروا فيهم "المسيح... على التلميذ الجيد ان لا ‏يتوقف يوماً عن العلم، بل يجب ان يبقى في بحث "دائم عن المعرفة."‏
‏"... لقد تألم المسيح وقَبِلَ الاهانة والسخرية، وهذا سيكون جزءاً من خدمتنا. علينا ان "نحمل صليبنا بسرور ‏متواضع، كما قال قداسة البابا بينيديكتوس السادس عشر: "خدمة "الآخر تجعل القائم بها متواضعاً، ويجب ان لا ‏ينظر الخادم الى نفسه كأنه اعظم من "الذي يخدم"..."‏
كلام غبطته هذا، أوحى اليّ بالمعاني الآتية: إنّ الرئاسة هي الخدمة. السلطة هي ما ينبثق من الروح ليُغني ‏الروح. الراجحُ في ذاته يرجِّحُ. الدعوةُ نعمةٌ يجب استحقاقُها. حسنٌ ان نتعلّم من المسيح الوداعة والتواضع. ونسمع ‏كلامه: "لا تخافوا..." وحَسبُنا من الايمانِ حبّةُ خردل !‏

أيُّها الأحبار، يا من اختاركم الروح، استمطروا نعمةَ الروح !.. لاننا نحتاج الى قدوتكم. المحبة وحدها ‏تمنح الرئاسة سلطةً حقيقية !‏
إن المرجعيات الكنسية تحتلُّ مكانة عليا في التراتبية المشرقيّة، وهي وجه جماعة المؤمنين، المطلّ على ‏المشهد العام. فكرامتها من كرامة الدور الذي تؤديه، والمسلك الذي تنهجه ؛ وهي تتميّز بالتقديمات النوعية المجدية ‏التي توفّرها، واسهام ابنائها في اكتساب ثقة الاخر واحترامه، ضماناً لمستقبلها. ‏
ان مسؤولية السلطات الكنسية في المحافظة على الحضور المسيحي، وتنميته، كبيرة واساسية، لانها مدعوةٌ ‏الى تنظيم الرسالة... و"الويلُ لمن تأتي على يده الشكوك"!‏
هنا ارجو ان لا يساورنا ايُّ حنينٍ الى ما يسمّى "العَهْدة العُمَريّة" التي، وان بدا، ذات عصر، انها وفّرت ‏للمسيحيين حماية ما، فقد ثبّتت دونيّتهم، وصنّفتهم رعايا لا مواطنين!‏

ايّها الآباء الموقّرون
باتضاعٍ كلّي، أعرضَ بعض خواطر، عن منهج لتجسيد ايماننا، عملاً بقول بولس الرسول: "الويل لي إنْ لم ‏أُبشّر".‏

المهام الرسالية
انطلاقاً مما يعتبر موروثاً مسيحياً، وحقلَ اختصاص، تجلّت فيه نجاحات تاريخية، ثمة مهام "رسالية" تعزّز ‏المضمون "الرسولي" للشهادة، بأركانِها المعدّدة اعلاه: الهداية، والوحدة، والقدوة.‏
اذكر هذه المهام، استجابةً لتوجّه مجلسكم السامي الوقار، في التمسك بالارض، والعيش الرضيّ مع ‏المسلمين، والتطلّع نحو مستقبل آمن للمسيحيين في الشرق، والتخفيف من آثار الهجرة ومضاعفاتها.‏
وعلى هذا الاساس، أبدي اقتناعي بأَن لدى الكنائس المسيحية في الشرق، والعالم العربي تخصيصاً، ‏المتضامنةِ في ما بينها، والمنفتحةِ على بلدانها، والمتعاونةِ مع مثيلاتها في العالم، القدرةَ الكافية للاضطلاع بالمهام ‏الآتية:‏
اولاً:‏ التكافل التام مع ابنائها، لمساعدتهم على البقاء في ارضهم، بكل الوسائل ‏ اللازمة، ومهما اقتضى ذلك ‏من تضحيات، حتى بذل النفس. ان لجماعة ‏ المؤمنين، على الرعاة، حقَّ الرعاية، والعناية، وشدّ الازر.‏

ثانياً:‏ المشاركة في العمل الاجتماعي-الاقتصادي، والاهتمام بمشاريع التنمية، ‏ خصوصاً السكنيّة التي تساعد ‏الشباب على تأسيس عيال، والاستقرار في ‏ ارضهم، فالمنزل هو المكان الذي يوفّر الشعور بالانتماء، ويشجِّع ‏على ‏ الانطلاق في مجالات الانتاج والتطوّر.‏

ثالثاً:‏ اخذ المبادرة في الانشطة الثقافية، والتربية والتعليم. فقد اثبتت التنظيمات ‏ المسيحية، الاكليريكية ‏والرهبانية خصوصاً، جدارة في هذا المضمار، وكانت ‏ لارسالياتها الاجنبية، كما لكنائسها الوطنية، نجاحات ‏مرموقة.‏
ان "المدرسة" هي الاختصاص النوعي الذي تميّز به مسيحيون اكفياء ‏ مخلصون، عبر اجيال، فاثبتوا ‏قدرتهم على تقديم خدمة اساسية لمجتمعاتهم ‏ العربية والاسلامية.‏
ولا بدّ من التوقف عند الدور الرائد الذي اضطلع به المسيحيون في بناء ‏ الحضارة العربيّة، واسهامهم ‏الاساسي في كل تقدّم عربيّ، والمحافظة على لغة ‏ الضاد، وتظهير عبقريتها. فيجب اعطاء اولوية اساسية ‏لاسترجاع مكانة تاريخية ‏ طبيعية، امتداداً لابـداعـات الأعصر، وصولاً الى النهضة التي انطلقـت من ‏ مدارسنا، في القرن التاسعَ عشر، وما قام به معلمونا الطيّبو الذكر، من تحت ‏ السنديانة الى مناسك ‏قنوبين، ومن عين ورقة الى "الحكمة"، ومن عينطورة الى ‏ البطريركية، الى مدارس الاباء اليسوعيين ‏والإخوة المريميين، والثلاثة الاقمار، ‏

والمرسلين اللبنانيين، وسائر انجازات الرهبانيات الوهّاجة علماً وادباً، وطنيةً ‏ وايماناً، خدمةً ‏وعطاءً، وكلِّ منائر التربية والعلم، من صحافة وجمعيات ادبية، ‏ انشأها مسيحيون في ‏ لبنان والعالم العربي، ‏وديار الانتشار.‏
ان المدرسة هي المؤسسة التي يجدر بالكنيسة الجامعة الرسولية، ولو سُمّيت ‏ ‏"كنائس"، ان تعتني ‏بها، وتجعل منها خليّة الاستقطاب، وعنوان التقديمات ‏ النوعية التي تقرّب المسافات بين المواطنين المسيحيين ‏والمسلمين، في العالم ‏ العربي.‏
ولكم يبدو مهماً ان تتضمّن توصيات مؤتمركم الكريم دعوة ملحّة الى استعادة ‏ المبادرة الثقافية، ‏والدور التربوي والتعليمي، في المدارس والجامعات، ونشر ‏ العلوم والآداب، عربوناً لمشاركة حقيقية في ‏مجتمعاتنا المشرقية، تدرأ كل ‏ تصنيفٍ جائر.‏

رابعاً:‏ العمل على توفير فُرَصِ التخصّص العالي، في حقول الخدمات العامة، والمهن ‏ الحرّة، من طب ‏وصيدلة، وادارة مستشفيات، وهندسة، وقانون، ومعلوماتية، ‏ لتأهيل اكبر عدد من الشباب المسيحي، لخدمة ‏مجتمعاته، العربيّة والاسلامية، ‏ والاسهام في تقدّمها، وتحقيق ازدهارها.‏

خامساً: اظهار التضامن الفعلي مع القضايا العربية والاسلامية المحقّة، تأكيداً لروح ‏ المسيحية المؤمنة بالعدالة ‏والمساواة.‏
ومن الضروري التمييز بين الالتزام العقلاني المبدئي، النابع من اعتناق الخير، ‏ وبين المسايرة ‏والتملّق، والمداهنة والتزلّف، وتسخير الضمير.‏
ان التقيّة، والخنوع الذمّي، والباطنيّة، والسكوتَ عن الظلم، والتعامي عن ‏ الارتكابات، والارتهانَ للحكّام، ‏في انظمةٍ أحادية مستبدّة، ليست من المسيحيّة في ‏ شيء. ‏

إنّ ادارةَ الخدّ الايسر، لمن صفعنا على الايمن، تعني السلام والمسالمة، ‏ والصفح، والغفران، والتوعية، ‏واعطاء الفرصة للتصحيح، لا الاذعان والذلّ ‏ والهوان. فالرفضُ والمقاومة حق طبيعي ؛ والكلمة، والموقفُ ‏المبدئي، في ‏ مواجهة الطغيان، اضعف الايمان.‏

سادساً: تكثيف الحضور الاعلامي، في شتى وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة، ‏ وتعميم الاتصال عبر شبكات ‏الانترنت. لقد ضاقت مساحة العالم، اقتربت ‏ المسافات، واصبح التواصل عبر القارات، في متناول الجميع ؛ فمن ‏الضروري ‏ المشاركة الفعلية، في التبادل الفكري والمعلوماتي، وتحقيقُ الانفتاح والتقارب، ‏ والتعريف ‏والتعارف.‏
ولا شك في ان الدورَ الرسولي المميّز الذي تؤدّيه محطة "تيلي لوميار"، واذاعة ‏ ‏"صوت المحبّة"، في ‏ظروف صعبة، يملأ فراغاً ويسدّ حاجة اساسية، ويجب ‏ دعمُه... كما نأمل في ان تنتقل فكرة الوسيلة المقروءة ‏المزمع اصدارها ‏ ‏(الدستور)، الى حيّز ‏ التنفيذ. ‏
‏ ‏
النموذج اللبناني
لـقـد شـاءت العنايـة الالهية ان يـكون للبنانَ، بتركيبته التعددية، دورٌ خاص فـي محيطه العربي – ‏الاسلامي.‏
هذا البلد الصغير، "المتعدّد الهويّة الثقافية"، مدعو الى رسالة مزدوجة: وطنية وانسانية. انه، حتماً، دولة ‏عربية. لكنه بطوائفه الثماني عشرة، ليس دينياً، لا يمكن ان يكون كذلك، ولا يجوز !‏
انه "وطن رسالة"، كما سمّاه السعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني.‏
هو، في الوقت عينه، وريثُ اورشليمَ وانطاكية، مُلتقى اثينا الحكمةِ، وروما الشرائعِ، وفينيقيا الابجدية ؛ ‏مَعْبرُ الامبراطوريات البائدة، شاهدُ نهايةِ الفتوحاتِ والحَمَلات، وأن كلَّ احتلالٍ الى انسحاب !‏
هذا اللبنان، بتركيبته الاستثنائية، وتراثه الفريد، هو النموذج الذي يتطلّع اليه العالم، ليكتشف اسلوب ‏العيش في سلام، وكيف يدرأُ صراع الحضارات بحوار الثقافات.‏
ان لبنان هو "حاجة اسلامية" في هذا الشرق العربي الاسلامي، اكثر منه مطلباً مسيحياً. فهو الشهادةُ الحيّةُ ‏للقدرة على العيش معاً في سلامٍ، والتكامل الابداعي بين المختلفين، باعتبار الاديان، في جوهرها، عناصرَ جمعٍ لا ‏تفرقة.‏
لن تزيد العشرة آلاف واربعماية واثنان وخمسون كيلومتراً مربعاً مساحة اي بلد آخر، ولن يزيد الاربعة ‏ملايين لبناني عدد اي دولة ثانية. لكن وجود هذا "الوطن الرسالة"، بما هو عليه، وما هو مدعوٌ اليه، يعطي العالم ‏اجمع مثالاً لا يمكن ايجاده بعد، في اي مكانٍ آخر.‏
من اجل ذلك كان التمسّك "بالهوية المتعدّدة الثقافة" فتحاً انسانياً، فهي الخاصة التي تميّز بلدنا الرائع، ‏وتؤهله لكي يستقطب الاشقّاء والاصدقاء، ولكي يقدّم لهم المثال على ما يمكن ان ينتجه تفاعل صادق، واحترام ‏متبادل، بين المسيحية والاسلام، في جو من التكافؤ، والحرية الحقيقية، ضمنَ نظام ديموقراطي صحيح، هو قَدَرُ ‏المجتمعات، في سعيها لبناء ذاتها الفضلى.‏
ويبدو لي ان تخاصُمَ المسيحيين، المستميت على السلطة، وانقساماتهم السياسية الحادة، وخطابهم المتوتر، ‏عوامل تفقدهم الكثير من عناصر المِنْعَةِ، وتزري بالسلطةِ نفسها، وتحرم مسيحيي الشرق التجسيد العملي الوحيد، ‏للتكافؤ الوطني المرتجى.‏

اصحابَ الغبطة والسيادة،
ايّها الآباء،
إِن السلطة الحقيقية هي ما ارتاحت اليه النفوس، لا ما انصاعت له الارادات وانحنت الرؤوس.‏
واسوأ ما يمكن ان يحل بجماعة، هو ترئيس المتسلطين، في الدين والدنيا على السواء.‏
لقد جاء المسيح ليَخدم لا ليُخدم، ونحن بحاجة الى رؤساء خدّام. بطاركة واساقفة، حكماءَ مؤمنين، يعرفون، ‏يعلّمون ويشهدون، ومسؤولين ينهجون على غرارهم. ‏
على من ينبري لتمثيل المسيحيين، في اي سلطةٍ، او محفلٍ، اي مجلسٍ او مَجْمَعٍ، ان يكون مسيحياً في ‏التزامه، لا في اخراج القيد فقط !‏
مجتمعنا بحاجة الى ابوّة الآباء، لا الى تحكّم الرؤساء: خدمةٌ لا وجاهة، كِبَرٌ لا كبرياء، زهدٌ ومثَلٌ صالح، ‏لا مطالبةٌ بالعِشر، ولا مصادرةٌ لمفاتيح الملكوت. ‏
يجب عدم تسليم الامانات لغير الأمناء، ولا تولية مَنْ ليس اهلاً للثقة. ان الخيار الصحيح مسؤولية كبرى، ‏ولا يجوز التنصّل من تبعة الإصلاح، بحجة عدم التدخل، لان ترك الامور على غاربها هو تركُ الصدّيقِ يُصلَب، ‏والهيكلِ يُنهَب. فلا يكوننّ منا بيلاطسُ آخر، يتخلّف عن الدور، ويتقاعس عن المبادرة، ينفض اكمامه، ويغسل ‏يديه... ‏
الكنيسةُ قلبٌ نابضٌ، وفكرٌ نيّرٌ، وشهادةٌ حيّةٌ، لا حجارةٌ صَمّاء، ولا مظاهرُ جوفاء !.. والحُكمُ ملحُ ‏الارض، فلا نَدَعَنَّهُ يَفْسُد !.. وحذارِ ان نقنط ونستسلم !‏

بزمّار، 17/10/2006‏ ادمون رزق
_______________________________________________________‏
المراجع:‏
‏1-‏ رسالة الامين العام الأب خليل علوان
‏2-‏ تقارير كنائس الشرق الاوسط
‏3-‏ منشورات مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك‏
‏4-‏ كتاب "الهوية اللبنانية المتعددة الثقافة" لبهجت رزق
‏5-‏ كتاب "التعددية اللبنانية في الهوية والنظام" للمؤلف نفسه.‏