المجمع البطريركي أنهى أعمال دورته الثالثة في فتقا: حدث كنسي يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الكنيسة المارونية البطريرك صفير ترأس قداسا في اختتام أعمال المجمع: لو سادت المحبة صفوفنا لما عانينا اليوم أياما عصيبة

وطنية -17/9/2005 (متفرقات) انهى المجمع البطريركي الماروني اعمال دورته الثالثة التي انعقدت في دار سيدة الجبل-فتقا بقداس احتفالي ترأسه رئيس المجمع البطريركي الماروني الكاردينال مارنصرالله بطرس صفير وعاونه فيه المطرانان رولان ابوجودة ويوسف بشارة والاباء ريشا ابي صالح، منير خير الله، خليل علوان وبولس روحانا بمشاركة المطارنة الموارنة، الاباء العامين، الرئيسات العامات واعضاء اللجنة المركزية للمجمع. وشارك ايضا القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور فيسفالداس كولبوكاس والمونسنيور جورج يغييان ممثلا بطريرك الارمن الكاثوليك نرسيس بيدروس التاسع عشر، رئيس الرابطة المارونية الوزير السابق ميشال اده وحشد من المندوبين والخبراء التي تمت دعوتهم لمناسبة اختتام المجمع بدوراته الثلاث.

بعد الانجيل المقدس القى البطريرك صفير عظة بعنوان "ان احببتم من يحبونكم فأي اجر لكم"، قال فيها: اجتمعنا طوال هذا الاسبوع الثالث، لنواصل النظر في وثائق المجمع الماروني الاربعة والعشرين، وقد تباحثنا وناقشنا ما يجب مناقشته، وأبدينا ملاحظات، وتحفظات/ واستلهمنا الروح القدس ليهدينا الى ما فيه خير كنيستنا المارونية، ووطننا لبنان، وكل الاوطان التي انتشر فيها ابناؤنا الموارنة، وانا نشكر جميع الذين ضحوا بوقتهم وجهدهم لادخال ما يجب ادخاله من اصلاحات على النصوص، وقد عبروا في ذلك عن محبيتهم لكنيستهم المارونية وابنائها حيثما حلوا وانتشروا، وقد اردنا، وارادوا ان يتركوا اثرا كتابيا يستهدون به، هم ومن سيأتي بعدهم في حياتهم اليومية الشخصية والاجتماعية والوطنية، وهذا ما دأب فيه الذين تقدمونا في خدمة هذه الكنيسة، فعقدوا عدة مجامع ابرزها:

المجمع المنعقد في عهد البطريرك سركيس الرزي سنة 1596،

المجمع اللبناني المنعقد في سنة 1736،

ومجمع اللويزة المنعقد في سنة 1818

وهناك مجمع اعد، ولم ينعقد في عهد المثلث الرحمة البطريرك انطون عريضة.

ونختتم اعمالنا اليوم تحت راية المحبة فالتي تحدث عنها الانجيلي متى الذي اورد خطاب السيد المسيح على الجبل، وقد جاء فيه: "اذا احببتم من يحبونكم، فأي اجر لكم؟ اجل المحبة هي الالف والياء في الدين المسيحي. وهل لنا ان نذكر بأنشودة المحبة التي تركها لنا بولس الرسول في رسالته الشهيرة الى اهل كورنتيا، وقد جاء فيها: "لو بذلت جميع اموالي لاطعام المساكين، واسلمت جسدي الاخرق، ولم تكن في المحبة، فلا انتفع شيئا". ولم يكن قوله هذا سوى صدى لتعليم السيد المسيح. وكم نحن في حاجة الى التذكير بالمحافظة على واجب المحبة عندنا، ووضعها موضع العمل في الحياة اليومية الشخصية والوطنية، ولو كانت المحبة تسود صفوفنا، لما كنا نعاني ما نعاني في هذه الايام العصيبة. وما من عمل كبير، وما من تضحية كبرى، الا كان في اساسها، والدفاع اليها المحبة. والسلام هو من ثمار المحبة. ولا سلام دون محبة، والناس يبحثون عن السلام عندنا، وحولنا. وفي المدى الابعد، ولا يعثرون عليه، لانهم توهموه في اعمال البطش، وعرض القوة، وتخزين الاسلحة النووية وغير النووية، ولكنهم اعطأوا السبيل اليه. والسلام هو ارادة بناء عالم يكون اعدل واكمل، والقديس ايريناوس يقول: "ان الراحة في العبادة هي علامة هدوء النظام، وهذا هو تحديد السلام اللاهوتي المألوف الذي هو ثمرة ممارسة العدالة اليومية. المسيح هو ابلغ تعبير عن المحبة المجانية التي دخل الله معها في التاريخ وهو في وسط التاريخ لانه يصدر في خياراته ليس عن انانية ورغبة في ان تكون فاعلة، بل عن منطق المجانية. فهو الرجل الحر كل الحرية لانه يثبت حريته ببذله ذاته، فحريته هي حرية من اجل الغير، اي انها حرية لا تعظم الفردية، بل الاخوة. والسلام هو هبة الروح القدس يقول بولس الرسول "ليس الله اله فتنة، بل اله سلام". وليست هبات الله نزوات عمياء تفتعل المشاكل والاضطراب، وهذا يصح ليس فقط على التجليات الخارقة، بل على الحركة الباطنية، على ما يقول بولس الرسول: "لان الحزن المرضي لله، يصنع توبة للخلاص، لا ندم عليها، اما حزن العالم فيصنع موتا". ويقول ايضا: "رغبة الجسد موت، اما رغبة الروح فحياة وسلام". لقد طوب السيد المسيح صانعي السلام بقوله: "طوبى لصانعي السلام، فانهم ابناء الله يدعون".

وصنع السلام يولي المرء ملء السعادة واولوية هذا السلام الناتج عن العدالة، تذهب الى الفقراء، والصغار. وبالنسبة الى المسيحي، هذا السلام لن يكون شاملا الا في نهاية الزمن، عندما يعود يسوع المسيح نهائيا، ليعلنه الاب ربا، وسيد الكون، ويوحد الجنس البشري، وهذا التوحيد يعني القضاء على تفرقة وتمييز من عرق، وطبقة، ودين ومعتقد. وعندما نؤمن بأن الاله الذي نعبد انما هو اله الجميع، اذ ذاك يخطو السلام خطوات كبيرة على الارض. والعدالة وحدها، امام الله وبين البشر، هي اساس التمسك بالله، الذي وحده بامكانه ان يعطي السلام، على ما يقول صاحب المزامير:"اني استمع الى ما يتكلم الرب. انه يتكلم بالسلام، لشعبه ولأصفيائه، وان لا يرجعوا الى السفه. الرحمة والحق تلاقيا. العدل والسلام تلاءما. الحق من الارض نبت، والسلام من السماء تطلع. ان الرب يعطي الخير، وارضا تعطي ثمرها العدل يسلك امامه، ويضع في الطريق خطواته. العدالة والسلام والمحبة هي الاساس. من دون هذه الثلاث لا يطيب العيش ، ولا تخلو الحياة، وما الفائدة من حياة يتأكل الحقد والغضب صاحبها، وأي راحة وطمأنينة بامكانه ان ينعم بهما؟ لذلك قال الرسول: "الذي يثبت الان هو الايمان، والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة واعظمهم المحبة". نسأل الله، بشفاعة والدته البتول، وابوينا مارمارن، ومار يوحنا مارون، اول بطريرك لكنيستنا المارونية، ان يمدنا بأنواره الالهية، لكي تطبق ما قمنا به من اعمال مجمعية، مما ينبغي لها من الرصانة والجدية والمحبة، ونضرع اليه اخيرا ان يشملنا نحن ومجتمعنا برضاه وبركاته. جلستان وكان سبق الاحتفال بالقداس الالهي جلستان، الاولى عبر خلالها اعضاء المجمع من الاساقفة والاباء العامين والرئيسات العامات واعضاء اللجنة المركزية وبعض الخبراء عن آرائهم الاولى وقبلها وحتى اليوم، وكذلك في ما ينتظر الجميع في الكنيسة من تطبيق مقررات المجمع. البيان الختامي والقى المطران بولس مطر البيان الختامي بعنوان "انا معكم الى منتهى الدهر" وفيه: 1- بدعوة من صاحبة الغبطة والنيافة الكاردينال مارنصرالله بطرس صفير، بطريرك انطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى، وبرئاسته، التأم المجمع البطريركي المارونية في دورته الثالثة الختامية من الثاني عشر الى السابع عشر من شهر ايلول سنة 2005 في دار سيدة الجبل في فتقا-كسروان، لبنان. وهي الدورة الاولى التي تلتئم في بداية حبرية قداسة البابا بندكتس السادس عشر، مقرونة بالادعية الحارة له ومشفوعة بصلواته. وقد شارك فيها اصحاب السيادة مطارنة الكنيسة المارونية في لبنان وفي النطاق البطريركي في بلدان الانتشار، وقدس الآباء العامون والامهات العامات للرهبانيات المارونية، واعضاء اللجنة المركزية التي وكل اليها امر تحضير هذا المجمع ومواكبة اعماله كافة، وبعض اللاهوتيين الخبراء الذين تلقوا دعوة خاصة للمشاركة من صاحب الغبطة رئيس المجمع. وقد حضر الجلسة الاولى المونسنيور فيفالداس كولبوكاس، القائم باعمال السفارة البابوبة.

 2- وكان مرسوما لهذه الدورة الختامية ان يطلع فيها الاعضاء المشاركون على الصيغة النهائية المعدة للنصوص التي سبقوها واستعرضوها في الدورتين السابقتين وصوتوا على كل منها، واعطوا بشأنها التوجيهات اللازمة، وعلى التوصيات العملية التي اقترحوها في خلال الدورة الثانية انطلاقا من هذه النصوص والتي رغبوا في جمعها وترتيبها ووضع آليات تنفيذها لها تسهيلا لانتقالها لاحقا الى حيز التحقيق، وقد وفدوا جميعا الى مكان اللقاء هذا، مثلهم في الدورتين السابقتين، وكأنهم مدعوون الى "العلية" ليحيوا عنصرة جديدة ترسخ ايمانهم وتشد سواعدهم في خدمة انجيل المسيح وبنيان كنيسته.

 توجيهات عامة

 3- افتتح غبطته أعمال الدورة بالصلاة، والقى كلمة توجيهية رحب فيها بالاعضاء الحاضرين، وخص بالشكر سيادة الامين العام للمجمع وسائر معاونيه في الامانة العامة واللجنة المركزية للجهود التي بذلوها في اعادة النظر بالنصوص الموضوعة وترتيب التوصيات المقترحة، لافتا الى ضرورة الانتقال بها في المستقبل الى مجال التطبيق والى "ان الاهداف المرجوة منها يقتضي لتحقيقها ارادة طيبة ونية سليمة وعزم صادق". ثم قدم سيادة الامين العام للمجمع البرنامج الموضوعي لهذه الدورة معلنا ان النصوص التي سيتم اقرارها بصورة نهائية سوف تنقل الى لغات الانتشار وسوف يعلن عنها رسميا وتسلم الى المؤمنين في قداس شكر احتفالي يقيمه غبطة ابينا السيد البطريرك في بكركي في مناسبة انعقاد المجمع السنوي لمطارنة الكنيسة المارونية في شهر حزيران القادم سنة 2006 بمشاركة وفود شعبية من الابرشيات والرعايا في لبنان وخارجه، ومتمنيا ان تستكمل مسيرة هذا المجمع البطريرك على صعيد الابرشيات والرهبانيات تحقيقا لغاياته في كل جماعة بحسب الظروف التي تعرفها والاوضاع التي تحياها. اقرار النصوص والتوصيات

 4- في ضوء المراجعة النهائية للنصوص الاربعة والعشرين الموضوعة كمحصلة لأعمال هذا المجمع، واقرار توصياته، وعلى مدى ايام الدورة المخصصة لهذا الغرض، تسنى للمشاركين جميعا لمس التطور الذي حصل بين مرحلة بدايات هذه المسيرة المجمعية المباركة المرحلة الحالية التي وصلت اليها، انها مسيرة كنيسة بأبائها وابنائها وصلاة شعب كامل وموحد دعي الى القاء نظرة ايمان على ماضيه وحاضره، بغية التطلع بعين الرجاء نحو مستقبله في مكان وجد فيه، من ارض الوطن الى كل بقاع الارض، وهي تدل، بالشكل الذي حصلت فيه وبالنتائج التي سجلتها، على قيمة العمل المشترك والمتضامن في تحقيق الاهداف والمنجزات الكبيرة، وقد ظهرت جلية وحدة هذه النصوص التي أعيدت صياغتها انطلاقا من المقاربة والجمع بين مضامينها، وانتظمت نهائيا في ملفات اربعة تعكس بدورها وضوح الاهداف التي توخاها المجمع لخدمة كنيسته. وعندما سيسلم آباء المجمع هذه النصوص بحلتها النهائية الى ابنائهم، سيردون اليهم فعلا حصيلة اتعابهم لما قجموه من صلوات وافكار واقتراحات، وقد توحدت كلها بفعل الروح كما حبات القمح، وصارت خبزا يقوت جوعهم الى الحق والخير والى المحبة والسلام. الهوية والرسالة

 5- في الملف الاول الذي يتضمن اربعة نصوص وافق الآباء على مجمل ما جاء فيه مع بعض التعديلات والتوصيات المقترحة وأهمها توصية تحمل أبناء الكنيسة المارونية في كل كل مكان على التعمق في تراثهم الانطاكي والسرياني الاصيل، صوتا لهويتهم وضمانا لوحدتهم واسهاما في التقارب المسكوني مع اخوانهم ابناء التراث الواحد من الكنائس الانطاكية والسريانية الشقيقة، وتوصية تدعو الى تعزيز الحوار الحياتي بين المسلمين والمسيحيين انطلاقا من التجربة اللبنانية الفريدة في هذا المجال والى معرفة الآخر كما هو في دينه وايمانه والى احترامه ومحبته، وتوصية برسم خطة شاملة لتوطيد الوحدة بين ابناء الكنيسة المارونية في الانتشار واخوانهم في كنيسة لبنان، حول شخص السيد البطريرك والكرسي البطريركي، وايجاد سبل التعاون في ما بينهم على صعيد تعزيز رسالة لبنان وتلاقي الحضارات العالمية في ما بينها وتضامن ابنائها من اجل اقامة السلام والعدل والمحبة بين جميع الشعوب. التجدد في الكنيسة

6- واستعرض المجمع النصوص العشرة التي يتضمنها الملف الثاني، وهي ترسم التجدد اولا في الاكليروس كمقدمة للتجدد في الشعب، من البطريرك والاساقفة الى الكهنة والرهبان والراهبات، وصولا الى العلمانيين والعائلات والشبيبة وانتقالا الى الخدمة الليتورجية التي تغذي فيهم الايمان والى الحياة الرعائية التي تجمعهم حول خير الكنيسة خير الحياة والتعليم المسيحي الذي ينير بصائرهم منذ انفتاحها على انوار الارض حتى انفتاحها على انوار السماء، فأقرت كل هذه النصوص بصورة نهائية وثبتت التوصياتت المتخذة بشأنها ومن اهمها توصية بخلق امانة عامة في الكرسي البطريركي برئاسة السيد البطريرك الذي ينتدب لها اسقفا او كاهنا فتعنى بانشاء الدوائر المختصة التي تتطلبها ظروف الرسالة الحاضرة، وتوصية بتعزيز الحياة النسكية والرهبانية الاصيلة وتقوية روح التعاون في الكنيسة بين السلطة الكنسية والرهبانيات بحيث تنجلي وحدة الكنيسة في تنوع المواهب والخدمات، وتوصية بالمشاركة الفعالة للعلمانيين في حياة الابرشيات والرعايا، وتوصية بدعم العائلات ومساندتها على كل صعيد من اجل تحقيق دعوتهات، وبانشاء مراكز اصغاء في الابرشيات تسهم في معالجة المشاكل التي تعترضها، والاهتمام بأوضاع الام العاملة حفاظا على رسالتها في المنزل وفي المجتمع، وذلك من ضمن الحرص على كرامة المرأة الذي تعيره الكنيسة اهتماما خاصا وعلى الدور الذي رسمه الله لها والمواهب التي حباها بها من اجل بنيان الملكوت، وتوصية خاضة بالشبيبة، امل الكنيسة الطالع، تقوم على معاونتهم روحيا ماديا في تهيئتهم لخوض غمار الحياة وعلى الحضور المحب والمصغي في ما بينهم وعلى تنظيم ايام لقاءات جماعية لهم تتوج كل اربع سنوات بلقاء عالمي للشبيبة المارونية برعاية غبطة السيد البطريرك وحضوره.

الحضور في مجالات الحياة7

7- وفي الملف الثالث الذي يتضمن تسعة نصوص سلط الضوء على حدود عالم اليوم بالنسبة الى الكنيسة المارونية، وعلى القضايا التي تواجهها وسط هذا العالم في كل من مجالات التعليم العام والمهني، والتعليم العالي، والثقافة والسياسة، والاجتماع، والاقتصاد والاعلام، وفي الظرة الى الارض والتعلق بها. وافق الآباء بصورة نهائية على سبعة من هذه النصوص ورأوا ضرورة ادخال تعديلات واسعة على نص التعليم العام والمهني وعلى نص السياسة، فأوصوا بالقيام بهذا العمل على وجه السرعة على ان يوافقا عليهما لاحقا بغية استكمال نصوص المجمع برمتها. واقروا التوصيات المقترحة بشأنها، ومن اهمها الحفاز على حرية التعليم في المستويين الثانوي والجامعي، وتوصية بنشر تعاليم الكنيسة ااجتماعية من اجل بناء مجتمعات عادلة واقتصاد لا تضيع فيه القيم في مجاهل الانانيات الفردية والجماعية.

 القوانين والانظمة الملائمة

8- واستعرض المجمع موضوع الملف الرابع وما آلت اليه التحضيرات لاستكمال الشرع الخاص في الكنيسة المارونية واتخذ قرارا بتحويل التوصيات العامة التي تبناها الى اللجنة البطريركية للشؤون القانونية لتعمل على وضع قوانين ملائمة تهدف الى خلق اطر تنظيمية تسهل الالتزام بها والعمل على تحقيقها، فيبلغ بذلك المجمع اهدافه ويتجدد ابناء الكنيسة بالرجاء المحيي الذي ينميه في قلوبهم ايمانهم بالذي قال: "تقووا، انا غلبت العالم".

تأسيس لحقبة جديدة

9- وفي نهاية اعمال هذا المجمع البطريركي الذي انتظره جيل كامل من الرعاة والمؤمنين على حد سواء، على اثر انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني في مطلع الستينات من القرن الماضي، لا بد من ان يدرك الجميع ان اهمية هذا الحدث الكنسي المبارك تأتي من مجرد حدوثه بمقدار ما تأتي من نصصه وتوصياته، فان هذا اللقاء بين جميع الرعاة الموارنة من لبنان ومن الشرق الاوسط، ومن العالم يشاركهم فيه مندوبون علمانيون عن كل ابرشياتهم، ورؤساء الرهبانيات المارونية الرجالية والنسائية، وجمع من المفكرين ورؤساء الجامعات والمعاهد الاكليريكية، لهو حدث كنسي يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الككنيسة المارونية. ولعل هذا الحدث يساوي بأهميته حدث انعقاد المجمع اللبناني الكبير في العام 1736. فالمجمع اللبناني قد انعقد في ظروف كانت تواجه الكنيسة المارونية فيها اوضاعا مستجدة عليها وسط عالم راح يطل على الحداثة. فلقد كانت هذه الكنيسة في العصور القديمة وفي القرون الوسطى جماعة صغيرة متحلقة في مكان ضيق حول بطريركها وحول الاساقفة معاونيه في السهر على مصيرها. واذا بالجماعة المارونية تمتد في لبنان من شماله الى جنوبه ويتضاعف عدد ابنائها في الدول المحيطة، ما فرض عليها ان تتطور في هيكليتها وفي تطلعاتها وهذا ما قام به المجمع اللبناني الذي امر بانشاء الابرشيات المارونية وتنظيم الحياة الراعوية فيها وارسائها على اسس جديدة، قضت بتنشئة الكهنة تنشئة جديدة وبتعليم ابناء الشعب بما يشبه الالزام الكامل على ابائهم واولياء امرهم. وفي هذا السياق يأتي المجمع البطريركي الماروني بعد هجرة لابناء الكنيسة المارونية لم يسبق لها مثيل، وبعد تجدد وتغيير في العالم المسيحي بفعل المجمع الفاتيكاني الثاني وبعد ان حدثت في لبنان عاصفة كادت تودي بالمنجزات التاريخية التي حققها ابناؤه على مر العصور، ما أدخل القلق على المصير الى الكثير من النفوس، وبعد انعقاد السينودس من اجل لبنان الذي دعا مختلف الكنائس فيه الى ان تكمل البحث عن السبل الكفيلة باستنهاض الرجاء في وطنهم وفي قلوبهم، فكان هذا المجمع وكان انعقاده تسجيلا لانتصار الوحدة على التفكك، الرجاء على اليأس، والثقة على التشكيك، والمستقبل الزاهر على الحاضر الحائز. ولقد اكد هذه المعاني لانعقاد المجمع كل الذين شاركوا فيه ولمسوا فعل الروح المقوي في نفوسهم.

 تطلعات المستقبل

10- ان اختيار ترتيب النصوص المجمعية وجمعها في ثلاثة اقسام، يحتوي الاول منها على لمحة عن الماضي لكل موضوع وجب درسه، ويقدم الثاني صورة عن الحاضر المعاش، فيما يخصص القسم الثالث لاستشراف المستقبل والتخطيط له والعمل على تنفيذه، لم يكن امرا متأتيا من الصدفة، بل كان مناسبة لمراجعة كل التاريخ الماروني في عصوره السابقة وتطلعا واثقا الى مستقبل هذه الجماعة الذي لا يبنى بالتنكر لماضيها او للقيم الجوهرية التي احتواها هذا الماضي واختزنها في تراثه الكبير. انه ماض مليء بالايجابيات وزاخر بالانجازات ولو كانت له حدود وسلبيات فهو يحمل الينا اختبارا للحرية الانسانية بكل ابعادها الروحية والاجتماعية والسياسية عاشه الاباء والاجداد وتمسكوا به كنز كنوز تهون في سبيل الحفاظ عليه اكبر التضحيات. وهو ماض يحمل الى ابناء اليوم قيمة العيش مع الاخرين من ابناء الوطن الواحد والمنطقة الواحدة بالاحترام المتبادل وبروح التعاون الذي ادى فعلا الى قيام لبنان. وان ما يثبت اللبنانيين اليوم على ايمانهم بوطنهم الذي صنعهم هو مثلما هم صنعوه، هو اجماع العالم على تقدير قيمته الروحية والانسانية على الرغم من الضعف الذي يبدو فيه والذي ينجم عن نقص في اداء الاشخاص تجاه وطنهم اكثر مما ينجم عن جوهر الوطن وعن دعوته السامية. انه وطن الرسالة كما سماه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الكبير ولقد بارك الرب هذا الوطن وشعبه وتحول الى وطن اعطى قديسين واسهم في صياغة حقوق الانسان. ان هذا المجمع لا يماهي بين المارونية ولبنان لان المارونية باتت اوسع من ارض لبنان كما ان لبنان في اهله وبنيه اوسع من موارنته لكنه يجدد التزام موارنة لبنان بالكيان والارض والارث الثمين والمستقبل الزاهر لوطنهم الغالي، كما يجدد تعلق الموارنة خارج لبنان بوطنهم الاول وبكل ما يجسد لهم من قيم روحية وحضارية صار العالم بامس الحاجة اليها، ان موارنة العالم متلزمون التزاما كليا باوطانهم الجديدة وهم يخلصون لها كل الاخلاص. وهذا ما ينبغي ان يحدث ويكون، لكنهم يتطلعون الى ارض الاباء والاجداد تطلع الحنين الى الذات الروحية التي لا تتبدل بل هي تختزن مع الايام وتتكاثف، فتصبح هويتهم الروحية هذه منطلقا لدعوتهم الخاصة في الاوطان التي يحيون فيها وهي دعوة تتبنى لقاء الثقافات بين شرق وغرب وتجعل من انتمائهم الروحي الى الكنيسة الانطاكية المشرقية مصدر فخار لهم واعتزاز. اما موارنة لبنان فانهم يتطلعون الى مستقبل وطنهم تطلع اخوانهم فيه ولن يتوانوا عن بذل الغالي والنفيس بالتضامن معهم بغية اصلاح احواله واستقامة الحياة الحرة والكريمة في ربوعه وتخطي الاحوال المتردية التي يتخبط فيها البلاد في الظرف الراهن ويحدوهم امل كبير بان ارث الاباء والاجداد على ارضه هو الخميرة التي ستحدث التغيير المنشود وتعيد مياه الحياة الوطنية الى مجاريها. وهم جميعا يتقبلون ما اوصاهم به قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في ارشاده الرسولي "رجاء جديد للبنان" وهو ان يغيروا ما يجب ان يتغير من امور بلادهم مع المحافظة على دعوته التاريخية. انه الرجاء المحيي والامل المنشود يسكن في ضمائر الموارنة واللبنانيين جميعا وينيرها في وسط المصاعب التي لا بد لها ان تزول.

 تسليم رسالة المجمع وقبولها

11 - لقد انجز هذا المجمع نصوصه ودون رسالته الى المؤمنين من ابناء الكنيسة المارونية في لبنان والمشرق والعالم وانهم سوف يتسلمون هذه الرسالة تسلما احتفاليا من يدي صاحب الغبطة والنيافة ابيهم السيد البطريرك اطال الله ايامه وحفظه ذخرا لهم جميعا وللوطن الغالي لبنان وسيكون هذا التسلم دعوة لهم فيلتزموا بمضمون الرسالة الموجهة اليهم وبكل معانيها. انها حقبة جديدة من مسيرة المجمع لانها حقبة التفاعل بين هذا المجمع وبين الحياة وحقبة زرع بذوره في ارض خصبة جيدة، وان ما يحمله تعليم هذا المجمع من اهمية يأتيه بخاصة من مجرد احتوائه على توجهات وضعها الموارنة بعمل مشترك موحد وفي مرحلة معينة من الزمن لقد فكروا على هذا النحو المدون في مجمع كنيستهم واجمعوا عليه. لذلك فان هذا التوجه المجمعي سيتحول الى مرجع اساسي لهم في كل مجالات الروح والفكر والحياة يسيرون بهديه الى وحدة الموقف بالعمق والى الخير المنشود للجميع ومن الجميع. انها ورشة اصلاح وتجديد تكمل اليوم ورشة السينودس من اجل لبنان وتوسع نطاقه وهي تبدأ لهم في الكنيسة ومن الكنيسة دون خوف من التغيير او من التحديث لانها مسيرة الروح الذي يسكن في الكنيسة ويسيرها على درب الملكوت وهي ورشة لتثبيت الحضور الماروني الفاعل في كل مجالات الحياة التي يفتحها عالم اليوم ويرسم لها التحديات، فهي بالتالي عمل مبارك ينال الداخلون فيه والملتزمون به معونات خاصة من السماء.

 نداء ودعاء

12 - وفي الختام يصعد المشاركون في هذا المجمع والذين عايشوا مسيرته منذ بداياتها حتى هذا اليوم المبارك ايات الشكر لله على انه اتاهم ان يكونوا مشاركين فيها بافراحهم اكثر مما شاركوا باتعابهم. انها مسيرة قوتهم جميعا بمحبة الله الاب الذي حباهم نعمة الوجود وبنعمة الابن الوحيد الباقي معهم الى انتهاء العالم (متى 28،20) وبشركة وحلول الروح القدس الذي يفيض عليهم مواهبه وعطاياه غير ان فرح الذين سيعيشون المجمع ويجنون ثماره لن يكون اقل قوة من فرح الذين عايشوه. فالروح هو عينه والرب المسيح المخلص هو بالامس واليوم والى الابد( عبرا 13،8 ) انه شمس البر وضياء الازل. باسمه انعقد المجمع وهو كان حاضرا فيه وسط الجماعة على ما وعد في انجيله الطاهر وهو سيبقى حاضرا في كنيسته وحفاظا لها لتكون تلك العروس المجيدة التي يخطب بها الكون ويرده كاملا مكملا الى ابيه السماوي. تبارك اسمه الى دهر الدهور. وان اعضاء المجمع اذ يختتمون اعماله اليوم يكلون امر ثماره الى شفاعة امهم العذراء مريم التي كانت لهم الام الحنونة وكنز الرحمة والمعونة وستبقى كما في ايام ماضيهم القريب والبعيد بكليتها. وستكون بشفاعتها مصدر قوة لهم في مسيرتهم الجديدة هذه اينما كانوا وعنوان ثقة وينبوع رجاء. وهم يتوسلون اليها اليوم ان تطلب من ابنها الوحيد ان يمن بالسلام على الشرق المعذب الجريح وعلى العالم وان يسكب على الموارنة جميعا الذين واكبوا ويواكبون هذا المجمع بمحبتهم وصلواتهم وطيب امانيهم وبشفاعة مار مارون ومار يوحنا مارون ومار شربل والقديسة رفقا ومار نعمة الله والطوباويين الاخوة المسابكيين فيضا من نعمه وبركاته". بيان اللجنة الاعلامية بعدها، وزعت اللجنة الاعلامية بيانا جاء فيه:"انهى المجمع البطريركي الماروني ظهر يوم السبت في السابع عشر من ايلول 2005 في دار سيدة الجبل فتفا اعماله بقداس احتفالي رأسه رئيس المجمع غبطة نيافة الكاردينال البطريرك مار نصر الله بطرس صفير وشارك في الاحتفال السادة المطارنة الموارنة وحضره الاباء العامون والرئيسات العامات واعضاء اللجنة المركزية للمجمع وجمهور كبير من المندوبين والخبراء تمت دعوتهم لمناسبة اختتام المجمع بدوراته الثلاث. وقال البطريرك في العظة التي القاها اثناء القداس "ان ختام الاعمال المجمعية يتم تحت راية المحبة وكم يجب التذكير بالمحافظة على واجب المحبة عندنا ووضعها موضع العمل في الحياة اليومية الشخصية والوطنية". واضاف:"ان السلام هو من ثمار المحبة ولا سلام من دون محبة، والناس يبحثون عن السلام عندنا وحولنا وفي المدى الابعد ولا يعثرون عليه لانهم توهموه في اعمال البطش وعرض القوة وتخزين الاسلحة النووية وغير النووية ولكنهم اخطأوا السبيل اليه، وقال ايضا ان اولوية السلام الناتج عن العدالة تذهب الى الفقراء والصغار وان الحرية الحقيقية ليست تلك التي تمجد الفردية بل الاخوة. وسبق الاحتفال بالقداس الالهي جلستان: في الاولى، عبر اعضاء المجمع من الاساقفة والاباء العامين والرئيسات العامات واعضاء اللجنة المركزية وبعض الخبراء عن ارائهم الاولى وقبلها وحتى اليوم، وكذلك في ما ينتظر الجميع في الكنيسة من تطبيق لمقررات المجمع. اذاعة البيان الختامي في الجلسة الصباحية الثانية، اذاع المطران بولس مطر رئيس اساقفة ابرشية بيروت المارونية البيان الختامي للمجمع وهو في سبع صفحات تتضمن مقدمة تعرض لظروف انعقاد الدورة الثالثة، ويذكر البيان بما قاله غبطة البطريرك في بداية الدورة وكذلك ببرنامج الدورة الثالثة الذي كان قدمه الامين العام للمجمع سيادة المطران يوسف بشاره ويعرض للخطوط العريضة للنصوص ولاهم التوصيات ويسلط الضوء على التحديات التي انعقد المجتمع في وسطها فكان مجرد انعقاده لمدة ثلاث سنوات وفي ثلاث دورات تسجيلا لانتصار الوحدة على التفكك والمستقبل الزاهر على الحاضر الحائر.

كما يجدد البيان امثولات الماضي الايجابي من الحرية بكل ابعادها الروحية والاجتماعية والسياسية وتأسيس الوطن اللبناني الذي هو وطن الرسالة يلتزم به الموارنة حاضرا ومستقبلا بالرغم من ان المجمع لا يماهي بين المارونية ولبنان خصوصا ان الانتشار الماروني في العالم كون تصورا جديدا للمارونية كتراث وكنيسة. ويشدد على تسليم المجمع المؤمنين وقبوله لان اعمال المجمع اصبحت ملك الكنيسة كلها ويختتم البيان النهائي بنداء ودعاء وشكر جميع الذين واكبوا الحركة المجمعية. موضوعا الاعلام والارض وكان المجمع قد عقد جلستين بعد ظهر يوم امس الجمعة، درس في الجلسة الاولى موضوع التوصيات المرفقة بالنص الذي يحمل الرقم 22 في الكنيسة المارونية والاعلام وبعد التداول والمناقشة لمجمل التوصيات قر رأي المجمع باعادة صياغتها خصوصا وان موضوع الاعلام والكنيسة هو موضوع دقيق وهام جدا واي توصية او توجيه في هذا المجال ينبغي ان يرتكز على قواعد ثابتة وموضوعية. وتداول الاباء المجتمعون في التوصيات الملحقة بالنص الذي يحمل الرقم 23، الكنيسة المارونية والارض فاوصوا بوضع استراتيجية شاملة للحفاظ على الارض وصارت اقتراحات متعددة مثل خلق جهاز لايقاف البيوعات الواسعة والتفكير باستراتيجيات موازية لمنع الهجرة من القرى كانشاء المؤسسات التنموية والانخراط في مؤسسات الدولة واقتراح الحفاظ على المياه من الهدر للحفاظ على الارض وتنميتها. ووافق المجمع على توصية اخرى تقول بان تسعى الكنيسة مع مؤسسات اجنبية كالسوق الاوروبية ومنظمة التغذية العالمية للافادة من الخبرات العالية لاستثمار الاراضي وتشجيع الزراعات الصناعية المختلفة وعلى اقامة المحميات الحرجية وعلى حماية الموجود منها وزرع غابات جديدة واعطي في هذا المجال مثل اطلاق مشروع تحريج 3 ملايين متر مربع للرهبانية اللبنانية في البقاع. كما اوصى المجمع بالتنشئة على قيمة الارض وخصوصا من قبل الشبيبة والحث على احياء المهرجانات القروية والزراعية وتنظيم مواسم القطاف واقامة توأمة بين المنتشرين وقراهم في لبنان. رسم الية عمل المرحلة المقبلة وفي الجلسة نفسها تداول الحاضرون في موضوع رسم الية العمل للمرحلة المقبلة وما هو محدد هو التالي: - نشر النصوص التي وافق عليها المجمع نهائيا على موقع المجمع الالكتروني: com. maronitesynod .WWW - الاحتفال بتسليم النصوص بعد طبعها الى المؤمنين في قداس احتفالي في بكركي برئاسة غبطة البطريرك في حزيران 2006. - اعادة كتابة النصين 16و19 مع توصيات النص 22. - العمل على ترجمة النصوص الى الانكليزية والفرنسية وامكانية نقلها الى اللغتين الاسبانية والبرتغالية وطبعها. - اعادة صياغة التوصيات استنادا الى المقترحات والملاحظات العديدة التي اولى بها المشاركون في اثناء الجلسات. - معاودة اللجنة المركزية اجتماعاتها لتجديد معالم الخطوات اللاحقة. وفي الجلسة الثانية استمع الحاضرون الى قراءة ثانية للبيان الختامي قام بها المطران بولس مطر.