مؤتمر صحافي لرئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام المطران بشارة الراعي

المطران الراعي

*لا مآرب سياسية للبطريرك وطاقته الروحية الكبيرة تجعله يقبل كل الانتقادات

*قانون العقوبات الكنسي يفرض تأديبات وحرما بحق المتطاولين على الكنيسة

*الكلام عن وضع مأزوم في مجلس المطارنة كاذب ونتحداهم أن يذكروا اسم مطران

*على الناخب أن يتحمل مسؤولية الاختيار وعلى المرشح أن يكون ولاؤه للبنان

اسرائيل تتحمل مسؤولية جسيمة أمام الضمير العالمي عن إهانة الديانة المسيحية والمطلوب أن تعوض بتغيير نهجها القائم على القتل والتنكيل في الاراضي المقدسة

 

وطنية - 25/2/2009 - عقد رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام المطران بشارة الراعي مؤتمرا صحافيا ظهر اليوم في المركز الكاثوليكي للاعلام في جل الديب، تناول فيه القضايا السياسية التي يمر بها لبنان، متطرقا الى موضوع الانتخابات النيابية وموقف الكنيسة مما يحصل.

وحضر المؤتمر نائب رئيس اللجنة الاب ايلي صادر، مدير المركز الخوري عبده ابو كسم، امين سر اللجنة الاب يوسف مونس، والاعضاء: المدير العام لإذاعة "صوت المحبة" الاب فادي ثابت، المدير العام ل"تيلي لوميار" جاك كلاسي، رئيس اتحاد الصحافة الكاثوليكية فرع لبنان الاب طوني خضرا وحشد من الاعلاميين.

أبو كسم

بداية رحب الخوري ابو كسم بالحضور والقى كلمة جاء فيها: "أراد سيادة رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام سيادة المطران بشارة الراعي، ان تكون اطلالته الاعلامية الاولى من على منبر المركز الكاثوليكي للاعلام ليوضح لكم ايها الزملاء الاعلاميون موقف الكنيسة من بعض الامور الراهنة التي يمر بها الوطن.

مما لا شك فيه ان هناك حملة مركزة ومبرمجة ضد المقامات الدينية والمدنية في لبنان، فتارة يصورون ان هناك انقساما في صفوف رعاتها، ثم يلوحون باسم مستعار لاحد الكهنة المزعومين ليصوروا ان هناك تباعدا بين الراس والقاعدة.

ان مثل هذا الكتابات والتحليلات لا تخدم الا اعداء الوطن والكنيسة، فها هو اليوم رئيس الاعلام الكاثوليكي يوضح ويحدد موقف الكنيسة الثابت والواضح ويرد على اسئلتكم، فلا شيء مخفيا، ونأمل ان تستقوا المعلومات من رأس النبع لتعلنوا الحقيقة، والحقيقة وحدها هي التي تنقذ.

المطران الراعي

ثم تلا المطران الراعي البيان الاتي بعنوان "لكل امر أصوله":

"نعيش اليوم في لبنان حالة من التوتر تطيح الطمأنينة والاستقرار بسبب الازمات المتراكمة، وتصبح محمومة بطريقة التحضير للانتخابات النيابية. وكثرت أيضا الشكوك في هذه الأيام من جراء ما نسمع ونقرأ من كلمات وردات فعل وأقاويل كاذبة وأخبارملفقة وتطاول على الكرامات وصولا الى شخص السيد البطريرك والسادة الاساقفة. وقد قبح الرب يسوع فاعلي الشكوك، بداعي ما يتسببون به من ضرر وشرور. فلا بد من التذكير بمبادىء ثابتة تنطبق على كل الحالات نرجو احترامها، ومن توضيح وشجب، لأن ما يجري خروج على كل الاصول.

فلكل أمر أصوله. للسياسة أصولها وللاعلام اصوله، للديانة اصولها وللانتماء الى الكنيسة اصوله، وللتاريخ اصوله. يؤسفنا أن نعيش اليوم خلافا لكل هذه الاصول.

 

1- فممارسة السياسة في معظمها إنحرفت بها عن غايتها النبيلة التي هي خدمة الإنسان والمجتمع والخير العام. وباتت وسيلة للمكاسب الشخصية والفئوية على حساب المصلحة العامة والشخص البشري والوطن شعبا ومؤسسات، وعلى حساب المسؤولية في إحلال السلام وتوطيد العدالة وحفظ الاستقرار وتوفير حقوق الإنسان الأساسية. وبدلا من أن يكون العمل السياسي تنافسا في البرامج الكفيلة بتأدية هذه الواجبات، فقد حول للتقاتل والتخوين والصدام. إن الديموقراطية تقتضي مشاركة الجميع في الحكم والإدارة، وسماع الرأي الآخر وقبوله وتقويمه بالحوار الشريف والحجة المقنعة، لا بالرفض المطلق والاهانة الشخصية. فلا يحق لمن يتعاطى العمل السياسي اختزال المواطنين في آرائهم وتطلعاتهم وطموحاتهم، واعتماد منطق القوة والفرض والتسلط، مما يجعل المجتمع خاليا من الإنسانية والقيم الأخلاقية. ولما كانت السلطة السياسية حاجة طبيعية لدى كل الشعوب، لكي تنظم شؤونهم وتؤمن خيرهم من كل جوانبه، وفقا لنظام أخلاقي طبعه الله الخالق في قلب الإنسان، ولما كان الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة ويمارسها عبر المؤسسات الدستورية، بات على الناخب اللبناني ان يتحمل مسؤولية إختيار من ينتدبهم ويفوضهم لتولي شؤون الجماعة الوطنية. فيدلي بصوته بحرية تامة من دون إكراه أو إغراء أو غش، ويختار أمام الله والضمير من هو الاصلح من حيث روح الخدمة والكفاءة، والنبل في التعاطي السياسي. وبات من واجب المرشح للنيابة ان يكون ولاؤه للبنان أولا وآخرا، مدركا قيمته وخصوصيته، ومؤمنا بالتنافس الديموقراطي على أساس برنامج واضح يؤمن ترقي الشخص البشري والمجتمع، ويرسم حلولا للأزمات الشائكة.

 

2- الإعلام له أصوله. فهو في جوهره يلبي حق المواطنين جميعا في معرفة الحقيقة بشأن الأحداث الجارية، ويهدف الى تكوين الرأي العام على أساس الحقيقة وكرامة الإنسان. لقد زاغ في معظمه عن خطه ومبرر وجوده. فثمة تشويه لحقائق، واختلاق لأخبار كاذبة، وتطاول على الكرامات، وتحقير للأشخاص. وهناك من يضع على لسان الآخرين كلاما وأفكارا وينسب اليهم نيات وأعمالا ومواقف لا علاقة لهم بها، ولا تمت الى الحقيقة والواقع بصلة. هذه ليست حرية رأي وتعبير، بل هي امتهان للكذب، وانحطاط في الأخلاق، واستعباد لمغرضين وراشين. وبدلا من أن تكون وسائل الإعلام للتواصل والوحدة بين الناس، ولتمكينهم من الانفتاح على بعضهم البعض والتعارف بعمق، راح بعض يستعملها للتفرقة والكراهية وهدم الجسور وشحن النفوس وتغذية القلوب بالحقد والبغض مجانا، ولتعطيل مساهمتها في البحث المثمر عن الحقيقة وترقي الشخص البشري والمجتمع. نأمل أن يحافظ الإعلاميون، ولاسيما المسيحيون منهم، على قيم رسالتهم وهي الصدق والإخلاص والصدقية، وأن يتمسكوا بمعايير الاستقامة والدقة والأمانة وروح المسؤولية، ويقوموا بدورهم الفاعل والمسؤول في طرح المعضلات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية والدينية على الرأي العام، وتوجيهه نحو حلولها".

 

وذكر بأن "اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام هي الناطقة الرسمية باسم الكنيسة الكاثوليكية في لبنان. نطلب من الجميع مراجعتها في كل الامور التي تتعلق بالكنيسة واخبارها، والتنسيق في اختيار الاشخاص الذين يعالجون مواضيع دينية وكنسية دقيقة، سواء في مقابلات أم في احاديث أم في كتابات. أما أي مصدر آخر فيكون على مسؤولية صاحبه الشخصية.

ولا بد هنا من التعبير عن استياء الكنيسة والمسيحيين، استياء كبيرا، وعن استنكارهم وادانتهم، مع غيرهم من أبناء الديانات الاخرى وذوي الارادة الطيبة، للاهانة الفظيعة والمشينة جدا لشخص السيد المسيح، ابن الله وفادي الانسان، وللسيدة العذراء ام الاله الكلية القداسة، تحفة الخلق والفداء، وهي اهانة تضمنها برنامج بثته القناة العاشرة الاسرائيلية في الاسبوع الماضي. انها مسؤولية جسيمة تتحملها الدولة الاسرائيلية امام الضمير العالمي، وتقتضي منها تعويضها بتغيير نهجها، نهج القتل والتنكيل في الاراضي المقدسة وبحق جميع الفلسطينيين من أي طائفة كانوا. لا يمكن للضمير العالمي ان يصمت بعد اليوم عن المظالم التي تمارسها اسرائيل وقد بدأتها منذ تأسيسها "كبيت لليهود في فلسطين" مع وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917. لقد احتج منذ ذاك الحين كل من البابا بينيديكتوس الخامس عشر والبابا بيوس الحادي عشر وبطريرك القدس للاتين Barlassina سنة 1921 و1922 و1923 على ما بدا من انتهاكات لحرمة الاراضي المقدسة وأنشطة خلاعية وتنكيل بالشعب الفلسطيني بمسيحييه ومسلميه، وكان يشكل 92 في المئة من سكان فلسطين، ويملك 98 في المئة من اراضيها (راجع الوثائق في كتاب ادمون فرحات: ( Gerusalemme nei documenti pontifici, Ed. Vat. 1987.

 

3- الديانة لها أصولها. فليست مجرد انتماء الى طائفة، بل هي إلتزام بما يجب أن نؤمن به وما يجب أن نفعله من خير ونتجنبه من شر. الإنتماء الى الدين يقتضي فضيلة التدين القائمة على إداء العبادة لله بتحرير الذات من الإنطواء على الأنانية، ومن عبودية الخطيئة، ومن عبادة العالم الصنمية؛ وعلى الصلاة الى الله تسبيحا وشكرا وإستغفارا وتشفعا؛ وعلى المشاركة في ذبيحة الرب التكفيرية وضم قرابين الأعمال الصالحة اليها، كفعل عبادة وشكر لله وإستعطاف لجودته.

من المؤسف جدا أن نشهد تسييسا للدين، وإقترافا للشر باسم الدين، وتعديا على الإنسان وشنا للحروب بإسم الدين أيضا. كما نشهد إنتهاكا سافرا لوصايا الله، وتجاهلا لتعليمه الإلهي الهادي الى حقيقة الإنسان والتاريخ في مصدرهما ومآلهما اللذين هما الله، الخالق والفادي. وفيما الوحي الالهي يشكل المقياس الموضوعي للخير وللشر، بات اناس يولون نفوسهم سلطانا كليا، معلنا او خفيا، على الإنسان وعلى مصيره.

إن رسالة الكنيسة تقتضي منها "ان تصدر حكمها الأدبي حتى في الأمور التي تتعلق بالنظام السياسي، عندما تقتضي ذلك حقوق الإنسان الأساسية او خلاص النفوس" (الكنيسة في عالم اليوم، 76). وبما انها لا تعتنق أي نظام سياسي خاص، ولا يمكنها ان تتلون بهذا أو ذاك من الألوان السياسية، فإنها ترضى بكل إداء يضمن للإنسان حقوقه وخيره، وإستقراره وكرامته. ومن واجبها أن تنير الضمائر وتوجهها بتعليم الشريعة الإلهية والأدبية، وألآ تقف مكتوفة الأيدي أمام الظلم والإستبداد، أو تصمت عما يحقر الشخص البشري أو يهدم المجتمع أو يقوض الوطن. بل عليها أن تتسلح بالجرأة وتعطي صوتا لمن لا صوت لهم، وأن تعيد دوما صرخة الإنجيل في الدفاع عن بؤساء هذا العالم والمهددين والمحتقرين والمستضعفين والمحرومين من حقوقهم الإنسانية. ولا يستطيع أحد أن يوقفها عن ذلك ( انظر البابا يوحنا بولس الثاني: فادي الإنسان، 13؛ إنجيل الحياة،5).

 

4- الإنتماء الى الكنيسة له اصوله لانه يقتضي ثلاثة متلازمة: الإعتراف بحقائق الإيمان التي تعلمها، وممارسة أسرار الخلاص السبعة التي تحتفل بها وتوزع نعمها المبررة والشافية، والخضوع لسلطتها الروحية في ما تسن من شرائع وتتخذ من تدابير، غايتها كلها خلاص النفوس (انظر مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، ق 8).

ولا بد من تنبيه الذين يتطاولون على الكنيسة وعلى الدين وعلى السلطة الكنسية المتمثلة في شخص السيد البطريرك والسادة المطارنة ما يوجب قانون العقوبات الكنسي من تأديبات بحقهم.

- "فمن أساء الى شخص البطريرك إساءة جسيمة يعاقب بالحرم الكبير" (ق 1445 بند1).

"من اثار الفتن أو الكراهية ضد البطريرك أو الاسقف أو حرض الخاضعين له على عصيانه يعاقب بعقوبة مناسبة، بما في ذلك الحرم الكبير" ( ق 1447 بند1).

- "من أساء الى الأخلاق الحميدة إساءة جسيمة، أو أطلق الشتائم أو حرض على الكراهية أو الإزدراء في حق الدين أو الكنيسة، بمشهد علني أو بخطبة أو بمنشور يوزع علنا أو بإستخدام وسائل الإعلام، يعاقب بعقوبة مناسبة" ( ق 1448 بند1).

- "من أهان احدا إهانة جسيمة، أو أساء الى سمعته مفتريا إساءة جسيمة، يلزم بتقديم تعويض مناسب، وإذا رفض يعاقب بالحرم الصغير" ( ق 1452).

ان مفاعيل الحرم الكبير والحرم الصغير هي حرمان المعاقب من الإشتراك في القداس الإلهي وقبول القربان المقدس والأسرار، ومن دخول الكنيسة، ومن المشاركة في الإحتفالات الليتورجية والعبادة الالهية العلنية ايا كانت، ومن سواها كما يعددها القانونان 1431 و1434. ليس المهم اعلان الحرم بحق من يستوجبه لتحصل المفاعيل، بل الاهم منه مسؤولية الضمير الشخصي الذي يبكت الإنسان على فعلته امام ربه.

 

5- للتاريخ اصوله

التاريخ معلم الحياة، من يجهله يشبه من يبني على الرمل بيتا مصيره الإنهيار السريع. لقد لعبت الكنيسة في لبنان دورا حاسما في الشأن الوطني، يرقى الى إنثقاف الإنجيل في الحضارة اللبنانية، كما ذكر البابا يوحنا بولس الثاني في مقدمة الإرشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان"، قال: "في هذه المنطقة من الشرق الأدنى، حيث أرسل الله ابنه ليحقق خلاص جميع البشر، ما لبثت المسيحية ان أصبحت عنصرا جوهريا من ثقافة المنطقة، وبنوع خاص الأرض اللبنانية التي تغنيها اليوم تقاليد دينية متعددة" (فقرة1).

توطد دور الكنيسة بنوع خاص بفضل البطريركية المارونية منذ إنتخاب بطريركها الاول في آواخر القرن السابع وهو القديس يوحنا مارون. فمشى البطاركة طريقا طويلة مزروعة بالأشواك والعقبات، وتعرضوا للاعتداءات والمطاردات والإهانات والإضطهادات، جعلتهم ينقلون الكرسي البطريركي من مكان الى آخر، نجاة بأنفسهم، وصونا لحريتهم وسيادتهم، وحماية لشعبهم. لقد مشوا جميعهم على طريق الوحدة الوطنية والعيش المشترك بين الطوائف كلها، المسيحية منها والمسلمة، ساعين دائما الى أن يرفعوا عاليا لبنان الواحد الموحد في ارضه وشعبه. في كل هذا المسار التاريخي الطويل، كان هم البطاركة المحافظة على الاغليين: وحدة الإيمان وتعزيزه، وحماية الكيان اللبناني. وفي سبيلهما كانت لهم مواقفهم الثابتة والشجاعة والمجردة من اي غاية او مأرب، فدفعوا ثمنها غالبا بتضحية وصبر.

نذكر بإيجاز ما للبطاركة الموارنة من فضل في هذا المسار التاريخي: يوحنا مارون الذي ثبت الهوية والرسالة تحت حكم الامويين بالوحدة والتماسك والصمود، وخلفاؤه الأولون الذين ثبتوا استقلالهم وكيانهم في العهد العباسي الشديد الوطأة؛ وأرميا العمشيتي (القرن12) وخلفاؤه الذين حصلوا من ملك فرنسا القديس لويس التاسع الحماية للموارنة والمسيحيين ببراءة في 21 ايار 1250في عهد المماليك، وصمدوا بوجه التنكيل والاستضعاف؛ ولوقا البنهراني (القرن13) الذي اسره المماليك واعتبروا ذلك فتحا عظيما، وفي عهده كانت معركة الفيدار الشهيرة التي كسرتهم؛ ودانيال الحدشيتي (القرن13) الذي تجمع حوله الشيعة والعلويون والموارنة، وصمد بوجه المماليك، وقد حاصروه ومن معه في قلعة الحصن في اهدن طيلة 40 يوما؛ والبطريرك الشهيد جبرائيل حجولا (القرن 14) الذي حكم عليه والي طرابلس المملوكي بالموت ظلما ونفذ فيه الحكم حرقا بالنار في ساحة طرابلس في نيسان 1367، فارتضى الاستشهاد حماية لابنائه المأسورين، من اساقفة ورهبان، وفدى عنهم؛ ويوحنا الجاجي (القرن15) الذي نهب جنود والي طرابلس مقره البطريركي في قنوبين وأشعلوا النار في بيوت الشركاء؛ وموسى العكاري (القرن16) الذي نسج أفضل علاقات مع الإمبراطور كارلوس الخامس، وكتب اليه في 25 اذار 1527، طلبا للمساعدة على نيل استقلال الجبل اللبناني؛ ويوحنا مخلوف (القرن17) الذي طلب وساطته الأمير فخر الدين المعني لدى البابا اوربانوس الثامن وأمير توسكانا في إيطاليا فرديناندو الأول وملوك اوروبا لمساعدته ضد الظلم الحاصل على لبنان من الأتراك. فأوفد البطريرك المطران جرجس عميره الذي مكث في اوروبا مدة طويلة لهذه الغاية؛ ويوحنا الصفراوي (القرن 17) الذي أوفد سنة 1649 المطران اسحق الشدراوي مطران طرابلس لدى ملك فرنسا لويس الرابع عشر طالبا تجديد حماية الموارنة والنصارى في جبل لبنان، فأجاب الملك على الطلب في براءة بتاريخ 28 نيسان 1649؛ واسطفان الدويهي (أواخر القرن 17 وأوائل القرن18) الذي واجه بصبر إضطهاد آل حماده وكتب التاريخ اللبناني والماروني، حتى لقب بأبي تاريخ لبنان، وهو الذي حدد الوجدان التاريخي الماروني؛ ويوسف التيان (آواخر القرن 18 وأوائل القرن 19) الذي رفض الظلم الضريبي بوجه الأمير بشير الشهابي الكبير، فكانت "ثورة عامية لحفد"؛ ويوسف حبيش (القرن19) الذي وقف بوجه إحتلال العسكر المصري للجبل ومدن بيروت وصيدا سنة 1840، فكانت الثورة الوطنية. ودعا الى عقد عامية انطلياس لتوحيد اللبنانيين، وقد شارك فيها دروز ومسيحيون ومسلمون، فأقسموا بأن يكون لهم صوت واحد وراي واحد، ورفضوا سياسة التفرقة المفروضة عليهم من المصريين وأطلقوا منشورا للنضال ضد المحتل المصري ولإستعادة حريتهم؛ وبولس مسعد (القرن19) الذي احتضن بعناية الهاربين من مجازر 1860، وواجه بحكمة وحنكة الثورة على العثمانيين التي قادها يوسف بك كرم، وثورة الفلاحين التي قادها طانيوس شاهين، وعرف ان يبني بفطنة علاقات مع ملك فرنسا نابليون الثالث، ومع السلطان العثماني الغازي عبد العزيز خان من اجل خير لبنان وشعبه؛ والياس الحويك المعروف بأبي الإستقلال ولبنان الكبير، الذي رئس الوفد اللبناني الى مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 طالبا الإعتراف بإستقلال لبنان، وإعادته الى حدوده الطبيعية الجغرافية، والإنتداب الفرنسي اذا كان لا بد منه، وتعويضات ومساعدات لإعادة إعمار لبنان بعد الحرب العالمية الأولى؛ وانطون عريضة الذي عمل على انجاز استقلال لبنان، وانهاء الإنتداب الفرنسي وجلاء الجيوش الاجنبية عن ارضه، وعلى حماية الإستقلال برفض بروتوكول الإسكندرية (7/10/1944) الخاص بتأسيس الجامعة العربية وإستبداله بميثاق القاهرة، وتحصين الإستقلال بالميثاق الوطني؛ وبولس المعوشي الذي أخذ موقفا حكيما وجريئا من ثورة 1958 التي انتهت بشعار "لا غالب ولا مغلوب"؛ وانطونيوس خريش الذي رفض رفضا قاطعا مشروع تقسيم لبنان؛ والبطريرك الكردينال نصرالله بطرس صفير الذي تمسك بالثوابت الوطنية، وأعطى موافقته على وثيقة الوفاق الوطني، وقاد بجرأة وصبر الجهود الوطنية التي حررت البلاد وأعادت اليه سيادته وسلامة اراضيه واستقلاله.

 

المقصود من هذا الموجز التاريخي القول ان البطريرك يجسد الوجدان اللبناني الذي هو الثابتة عبر العصور، القائمة على الايمان والرسالة والتاريخ. فينبغي احترم هذا الوجدان في شخصه، والانطلاق منه بروح الحوار الحر والمسؤول.

وفي الختام نأمل أن يدرك الجميع كل هذه الأصول، ونحن في بداية الصوم الكبير الذي هو زمن العودة الى الذات بالصيام والتقشف، والى الله بالصلاة والتوبة، والى بعضنا البعض بأفعال المحبة والرحمة وبالمصالحة، لتسلم الحياة أمام الله والتاريخ، ويسلم لبنان".

 

حوار

ثم دار حوار بين المطران الراعي والحضور.

سئل: كيف تقرأ دفاع بعض المسؤولين الموارنة عن حقوق الطائفة في السياسة، وفي الوقت نفسه ينصبون انفسهم بطاركة في السياسة ويتطاولون على مقام البطريرك صفير؟

أجاب: "أردنا من الصفحة التاريخية ان نقول إن هناك وجدانا تاريخيا يجسده سيدنا البطريرك من دون مأرب او غاية، ويتعالى عن كل الجروح".

 

سئل: هل تنطلقون من هذا الموجز التاريخي للبطاركة في لبنان للتعميم انه لا يمكن التطاول على أي مقام ديني في لبنان؟

أجاب: "في مقدمة الحديث، قلت إن هناك تعديا على الكرامات المدنية والروحية، ونحن ضد أي تعد على كرامة أي شخص بشري، فلكل إنسان رأيه، ولكن الرأي يجاوب بالحجة وليس بالاهانة الشخصية، عندئذ نكون في مجتمع راق، أما اذا كان رأيي ضد رأيك فلا يمكن أن يكون الجواب اساءة شخصية، فنحن هكذا لا نقوم بالحوار. لكل انسان رأيه وليس لأحد رأي منزل، ولكن يمكننا أن نتحاور حول كل الاراء بمسؤولية واحترام. إذا فقد لبنان هذه القيمة فنكون قد فقدنا كل شيء، فقيمة لبنان في تعدد الآراء، شرط ان يكون ذلك بالحوار الحر المسؤول من دون انتهاك كرامة أي انسان، سواء كان مدنيا أو دينيا".

 

سئل: كيف يمكن الناخب ان يختار كما قلت في ظل التهديد بقطع الالسن والايدي؟ وكيف يمكن اجراء الانتخابات في ظل التهويل الحاصل من بعض السياسيين؟ وهل تؤيدون اجراء الانتخابات النيابية في يوم واحد؟

أجاب: "تدبير اليوم الواحد يخص الدولة، ولن نخوض فيه، بل نحترم كل قراراتها. أما نحن فضد أن تمارس القوة ويستعمل المال لشراء الناس، فهذا الموضوع يواجه بأن أرفض، أنا المواطن اللبناني، في اقتناعي الشخصي، رفضا باتا أن يمارس أحد الاكراه علي وأن يشتريني بخمسين أو بمئة دولار، وهذا يعود الى كرامة المواطنين، فنحن نخاطب المواطن بأن يحافظ على كرامته ونخاطب المرشح بأن يحترم الديموقراطية".

 

سئل: هل تتخوفون من عدم اجراء الانتخابات في ظل الفلتان الامني؟ وما هي كلمتكم للتيارات السياسية؟

أجاب: "نحن اليوم امام مشكلة كبيرة هي مشكلة الامن، ومسؤولية الدولة ان ترعى كل هذه الامور ولا تتأخر عن ذلك، لكننا نناشد اصحاب الارادات واصحاب الرأي والمسؤوليات ألا يعطلوا الانتخابات لمآرب شخصية".

 

سئل: ما رأيك في مقولة فلتهتم الكنيسة بالامور الكنسية؟ فهل المصونية تدخل الكنيسة؟ وهل هناك سياسيون مصونيون؟

أجاب: "أنا لا أتهم أحدا، لكن اعتبر ان هناك جهلا، وأوضحت اليوم ان على الكنيسة ان تعطي حكما ادبيا في ما يختص بما هو خير وشر وما يختص بالانسان والمجتمع والجماعة الوطنية، وقلنا انها لا تتلوث ولا تدخل في شؤون سياسية وحزبية، لكن للكنيسة دورها وكلمتها التوجيهية ولها رأيها، فهل يحق للمدني وحده ان يعطي رأيه في الشؤون الوطنية؟ فهل لأني رجل دين لا يحق لي ان يكون لي رأي لبناني؟ أنا لا ادخل في حزب كرجل دين ولا أتلون بلون، لأن علي أن أخاطب الضمير من جهة، ومن جهة أخرى لي رأيي الشخصي كمواطن لبناني، فكيف اذا كان للانسان مقام معين في الكنيسة؟".

 

سئل: في انتخابات عام 2005 لم نشهد هذه الحملات على بكركي، اليوم تتزايد الحملات، هل لأن بكركي غيرت مواقفها ام لأن هؤلاء الاقطاب غيروا؟

أجاب: "البطريرك يحمل اليوم مسؤولية 76 بطريركا كانوا قلبه، ولا مآرب سياسية له، فهو يحمل قضية واحدة هي المحافظة على وحدة الايمان وعلى لبنان، والبطاركة لم يحيدوا يوما عن هذا الخط. فالبطريرك لا يتأثر، أعصابه من فولاذ، وعنده طاقة روحية كبيرة تجعله يقبل كل الانتقادات والحملات، ولن يتغير".

 

سئل: ما ردكم على ما يحكى عن وضع مأزوم في مجلس البطاركة؟

أجاب: "كله كلام كاذب ملفق لا صلة له بأحد، بعدما تقصينا كل الحقائق".

 

سئل: هل تؤيدون ترشيح المستقلين للانتخابات النيابية؟

أجاب: "هذا شأن اللبنانيين، الترشيح حر والانتخاب حر، ولا نتدخل في هذا الامر".

 

سئل: ما هو موقف الكنيسة المارونية من زيارة قداسة البابا للقدس؟

أجاب: "البابا يزور الاراضي المقدسة ويزور مؤسسات عزيزة على قلب الكنيسة والعالم، وللبابوات السابقين مواقف من الاراضي المقدسة وكيف يحافظون عليها لأنها تخص الديانات الثلاث، فعندما يزور البابا اسرائيل فهو لا يزور سياستها ولا يدعمها، بل هو يزور أراضي مقدسة ويطلق منها كلمة سلام للعالم، ويقول لاسرائيل ما الذي يجب قوله لها كدولة".

 

سئل: يلاحظ خلال مسيرة البطاركة الموارنة أنهم تعرضوا للاضطهاد وللحملات، لماذا؟

أجاب: "أنا أسأل لماذا صلب المسيح؟ فهل أساء الى أحد؟ عدو الخير لا يريد الخير وعدو الحقيقة والعدالة لا يريدهما، فمن لا يرد الحقيقة ومن يرد الظلم لا يرد العدالة، ومن يرد الحرب لا يرد السلام، لذلك صوت الضمير يحرك الانسان، فهذا هو خط البطاركة الذين يحملون مسؤوليتهم على أكتافهم ويريدون خير كل الناس، ومن لا يرد ذلك يحاربهم".

 

سئل: التطاول على سيد بكركي يأتي من المسيحيين، فماذا تقول لهؤلاء؟

أجاب: "هذا معروف، "من بيت ابي ضربت"، هكذا يقول المسيح. فأعداء الانسان أهل بيته. لا أريد أن أدين أحدا. الضمير هو صوت الله في أعماق الانسان، شرط ان يكون هذا الضمير مستنيرا بكلام الله".

 

سئل: في ظل الحملات على البطريرك، يلجأ البعض الى حركة ما في اتجاه الفاتيكان ضد البطريرك الماروني، فما هو موقف الكنيسة في هذا الاطار؟

أجاب: "إذا حصل، فذلك يقوي البطريرك الماروني ويدعم موقعه في روما".

 

سئل: هل استعمل الحرم في تاريخ الكنيسة المارونية؟

أجاب: "طبعا، ولكن هناك أساسية عند الانسان هي ضميره، وعلينا أن نوقظ هذا الضمير".

 

وكشف المطران الراعي عن الاعداد لشرعة العمل السياسي في ضوء تعاليم الكنيسة، والتي ستعلن في الرابعة بعد ظهر الخميس في الخامس من آذار المقبل في قصر المؤتمرات في ضبيه، وتتضمن في خطوطها العريضة مفهوم العمل السياسي والعلاقة بين الكنيسة والسياسة وخصوصية لبنان في كيانه وميثاقه ودوره ورسالته وكيفية إعادة بناء المجتمع اللبناني.

 

سئل: ما هي أصول التعرض للسيدة العذراء وللسيد المسيح؟

أجاب: "أصولها هي الصهيونية العالمية التي ترفض كل الحقائق التي تعلنها الكنيسة".

 

وأكد المطران الراعي "ان ابواب بكركي مفتوحة أمام الجميع وأن صوت الكنيسة لا يأتي من وراء الغيوم، والبطريرك صفير يستمع الى الجميع".

 

وعن التسريبات التي تصدر في الصحف عن الاساقفة والكهنة الموارنة، قال: "لا نجيب البطريرك في الصحف ولا على شاشات التلفزيون، ولا نجيبه بالتحقير ولا بالاهانة الشخصية، بل أبوابه مفتوحة أمام الجميع، فله رأيه ولكل واحد رأيه، ويمكن التفاهم".

 

وقال: "نتحداهم أن يعلنوا اسم اي مطران، فالاتهامات سهلة والكلام الرخيص سهل جدا". ودعا الاعلاميين الى "التحقق من اي خبر من اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام وعدم نسب اي خبر الى اي مصدر، فهي وحدها تعطي الخبر اليقين".