أين القضـاء اللبـناني؟

بقلم/لاحظ س حداد

 

لقد طفح الكيل تماماً ولم يعُد بمقدور أي عاقلٍ أن يتقبّل أو يغُضّ الطرف أو يصمّ الأذان عن هذا الكيل من المهاترات التي يتحفنا بها جنرال الرابية.

تحت شعار الحصانة النيابيّة، لم يدع هذا الرجل السياسي أحداً من شر لسانه وتطاوله المستمر على الناس، الكبار منهم والعاديين حتى بات يؤسس في نفوسهم قيمَ السفاهة والتفاهة والإبتذال السياسي التي ما انفكّ ينثرها حواليه، ما صبغ به خطاب أتباعه وأزلامه، سياسيين أو مناصرين، حتى أمست بياناتهم أشبه بترداد ببغائي فاقد لكل معنى أو منطق سوى إظهار مستوى لم يتعوّده اللبنانيون من قبل.

 

دأب هذا السياسي، ومنذ عودته إلى أرض الوطن من منفاه الباريسي الذي يبدو أنه لم يقتبش من أناقه ولياقة ساسيي فرنسا إلاّ النذر القليل، معتبراً نفسه أسمى مقاماً وأرفع قدراً من جميع السياسيين في لبنان، المعاصرين له والجدد، وفارضاً على الجميع رُآه السياسية ومتخطياً كافة أنواع المنطق الديمقراطي المعمول به في العالم المتحضر والمتخلف على حدٍّ سواء.

بلغ هذا السياسي شاًواً عالياً في سياسة غوغائية لم يمارسها قبله سوى بعضٌ من زعماء الدكتاتورية، وإن بنسب أقل، ما جعله فريد عصره وزمانه، وافتتح في لبنان مدرسةً جديدة في السفاهة والابتذال تخرّج منها بنجاح منقطع النظير، بالإضافه إلى أفراد تكتله، صبية ومحدثي نعمة في السياسة أمثال القنديل والوهاب الذين ربما نفوقوا عليه في مواقف متعددة.     

 

منذ التحامه بحزب الله وتطوّعه لخدمة النظام السوري، اقتحم الأبواب اللبنانية العريقة، واضعاً نفسه فوق الجميع ( أنشودة هتلر = ألمانيا فوق الجميع )، يعيث فساداً وإفساداً ويعبث بجميع المعتقدات والتقاليد، سياسية ودينية، ومتهماً الجميع بالفساد وبابتعادهم عن الأخلاق والوطنية بعد رفضهم لبلاغته الشارعية، خاصة بعد سقوطه المزري في الانتخابات النيابية الأخيرة وفقدانه المكان الأبرز الطامح الأبدي إليه.

 

هذا الرجل السياسي إذ حاز على رضى الباب العالي والواطي بالتحاقه بالنظام السوري والنظام الايراني وحلفائه في لبنان، ونال جزاء تخلّيه عن نهجٍ طالما أفلح في استقطاب العامة من الناس بما يعلنه عن محاربة الفساد والمفسدين، وضع نصبَ عينيه أهدافاً لم يعد باستطاعتة الفكاك منها بدءً بالتهجم على القادة السياسيين وتحولاً إلى التطاول على أرفع المقامات الروحية التي يدّعي تبعيتها، ومتخلياً عنها نهائياً، وسوّغاً لنفسه ولبعض التافهين من أتباعه استعمال الفوقية على البطريرك الماروني الجديد الذي أمَّ بكركي مباركاً بانتخابه جميعُ القيادات السياسية والاجتماعية والشعبية ومن جميع طوائف ومكونات الشعب اللبناني، المحلية وفي دول الانتشار اللبناني.  

 

في سبيل الوصول إلى تحقيق حلمه العتيد، وتيمناً بالسلاح الإرهابي الذي يملكه حلفاؤه، لم يتوانَ هذا السياسي المتوتر دائماً من التهجّم والتهديد والوعيد لكل مَن تسوِّل له نفسه معارضته. مفترضاً بنفسه قوّةً لا يمكن في أي حال استعمالها من عند ذاته، ذلك لأن من يقدم له الطُعمَ تلو الطعم، لا يمكن أن يسلم سلاحه إلى متهور وموتور مثله وإلاّ كان فاقداً لميزان العقل السليم الذي نعهده عنده، الأمر الذي إلى الآن لم يفهمه هذا الرجل ولن يفهمه قط.

 

أخيراً، فإن هذا الرجل، وكما يبدو، قد فقد بوصلة السياسة التي أدخل ذاته وأتباعه فيها، لم يعد أمامه سوى فخامة رئيس البلاد يريد أن يتطاول عليه ومباشرةً... إنها ساعة الحقيقة بدأت تدق فوق رأسه لاسيما بعد ان استشرت موجات الثورات الشعبية في العالم العربي وامتدت إلى ديار حليفه الرئيسي، النظام السوري، لذلك نراه في سراعة لتحقيق أهدافه الملتوية للوصول إليها قبل أن يبلغ سيل هذه الثورات " سد عرم " النظام السوري فيطيح به وبحلفائه، وهو ليس أولهم، ويُنهي زمناً طال أمده في الظلم والبغي والفساد، فلم يجد أمامه بعد سوى رئيس الدولة والمؤتمن على الوطن فيلقي عليه تهم أقلها تصل إلى الطعن بمصداقيته الوطنية..

 

إن جنرال الرابية الساعي عبثاً إلى رئاسة الجمهورية، يتسبب حتى الآن في زعزعة أركان الكيان اللبناني وتدميره برمته، وبامتلاكه معنوياً سلاح حزب الله المدعوم من أنظمة لا هم لها سوى السيطرة على لبنان، لن يتورع عن استخدامه للوصول إلى مبتغاه ولكن يبقى الحلم حلماً إلى أن يفعل الله أمراً كان مكتوباً.. 

 

إلى هنا والأمر بات من اختصاص القضاء اللبناني الذي نرى أن هناك حدوداً لا يجب تخطيها من قبل أي سياسي، مهما على شأنه، إذ أن كرامة الوطن من كرامة مسئوليه وليس لأحد مهما بلغت قوته السياسية أو حاز من سلاح يمكن التهديد به أو التلطي خلفه..

إن موقع الرئاسة هو من المقدسات في النظام الديمقراطي ورئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، كما يقول الدستور، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه...

إذن، إن المساس بموقع الرئاسة أو بشخص الرئيس هو تعدي على هذا الموقع وعلى شخص هذا الرئيس. وكل تطاول على هذا الموقع أو ذلك الشخص يشكّل طعناً للدستور وبشخص رئيس الجمهورية وبالتالي تهديداً لوحدة الوطن وإخلالاً باستقلاله وتعريضاً لسلامة أراضيه...

 

من هذا المنطلق، ما يقوم به النائب ميشال عون هو خرق فاضح للدستور وتعدٍ سافرٍ على رئيس الجمهورية وموقع الرئاسة معاً وعليه، فإن على القضاء اللبناني أن يتحرك تلقائياً لوقف تعدي هذا النائب ومَن يخطو خطاه، حفاظاً على أمن البلاد واستقراره جرّاء الاستفزازات التي يسببها هذا النائب بشططٍ لا سابقة له في السياسة اللبنانية...

 

كما أن على نواب الأمة اللبنانية التحرك لتقديم طلب رفع الحصانة النيابية عن هذا النائب وطلب محامته أمام القانون كي يصبح عبرة لكل من تسول له نفسه التعرض لكرامة الوطن من خلال تعرّضه لمقام الرئاسة وشاغله..

 

نذكر هذا النائب وسواه من الطامحين المتنطحين للموقع الأرفع في الجمهورية اللبنانية، وجلّهم من حلفاء النظام السوري، أن يضطلعوا على عدد الأشخاص المعتقلين في السجون السورية لتهمٍ أقل بكثير مما نتهم به هذا النائب تحت شعار تعريض أمن البلاد للخطر..

 

صانك الله لبنان

24 أذار 2011