نتائج الحقد الأعمى

وعن الدسـتور يتكلمـون

بقلم/لاحظ حداد

 

وعن أي دستور يتكلمون. أهوَ الدستور الذي تحت شعاراته المبتكرة والمجتزءَة يعطلون، ليس مجلس النواب ومجلس الوزراء وحسب بل انتخاب رئيس للجمهورية يريدونه اليوم أن يكون خيال مآته؟

 

ماذا تبقى اليوم من دستور أجْرَمَت الدول العربية مجتمعة على اجتثاث جذوره الديمقراطية كي يحولوا النظام اللبناني إلى  شبه دستورٍ يتعاملون بمثيله في بلدانهم مستغلين ضعف وتعب اللبنانيين المرهقين جرّاء الحروب التي ساهموا جميعاً في تمويلها وتأجيج نيرانها تحت شعارات لم تخلو من الدعوة للتخلص من نظامٍ قيل أنه يخدم المارونية السياسية فأشعلوها لفترةٍ وجيزة حرباً طائفية أفشلها الشعب اللبناني ولكنه لم يستطع إقتلاع جذورها تماماً، ولنتذكر شعارات محلية وأخرى آتية من اللبيب الليبي معمَّر القذافي الداعي المسيحيين إلى الأسلمة أو الهجرة...

 

عندما كان دستور الدولة اللبنانية أشبه بنظام رئاسي حيث يتمتع الشعب بديمقراطية نوعية، وكل طائفة لها نظامها الداخلي الخاص، سعوا تحت ضغوطات القومية والعروبة، ولن نقول الاسلام، كي يحولوا جميع صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي إلى رئيس الحكومة المسلم... وبعد ذلك، ظنّ البعض أن الإسلامية السياسية هي التي ستحكم البلاد، لكن تبيّن أن النظام السوري هو الذي سيطر على الحكم وتمكن من تعطيل الحياة السياسية بكاملها إذ لم يعد هناك أية سلطة فعلية تدافع عن الدستور الذي أصبح مذ ذاك ألعوبة السياسيين..

 

وكانت النتيجة: لا رئيس الجمهورية بقي الحاكم ولا رئيس الوزراء تمكّن من الحكم. والدليل ما شهدناه طوال الحقبة الماضية أي بعد تعديل الدستور بموجب اتفاق الطائف. وبات في استطاعة أي فريق طائفي قوي السيطرة على البلاد وفرض إدارتها بحسب مشيئته أو مشيئة من ورائه.. وهكذا هيمنَ نظام الوصاية بعد أن شتت نظام الحكم شبه الرئاسي إلى ترويكا لا حول لها ولا قدرة على البتّ في أمرٍ هام من أمور الدولة دون اللجوء إلى سلطة الوصاية.. 

 

إنطلاق انتفاضة الاستقلال على يد البطريرك صفير بإطلاقه البيان الشهير

منذ اغتيال رئيس حكومة لبنان، المغفور له رفيق الحريري الذي كان باشر في محاولة استرداد الوطن من يد الوصاية السورية، استفاق السياسيون اللبنانيون على ما أغفلوه من أمور مستعصية نتيجة اتفاق الطائف لكنهم تمسكوا به خشية الانتكاس والعودة إلى الحرب، وهذا ما سمح لبعض الفجّار والمأجورين لغير نظامٍ إقليمي من التطاول ليس فقط على مقام الرئاسة الأولى بل على مجلس الوزراء بالذات بعد أن أقفلوا مجلس النواب، وبهذا تمكنوا من تعطيل قيام الدولة منفذين إنقلاباً لتحقيق طموحاتهم الشخصية والخاصة..

 

المحصّلة الحالية من تنفيذ اتفاق الطائف الذي به يتغنى البعض أحياناً هو :

تقسيم المسيحيين وخاصةً الموارنة منهم، إلى قسمين أحدهما يريد عودة الدولة والثاني يريد الدولة على مقاسه الشخصي،

تقسيم الاسلام إلى سنة وشيعة، أحداهما يريد العودة إلى الدولة والثاني يريد تحويلها إلى دولة تابعة،

جرى تقسيم الشيعة إلى قسمين أيضاً. أحرار الشيعة لن يتخلوا عن الوطن وفقدوا في سبيله أهم إمام قام من بينهم والباقي، البعض استفزته حميّه السلطة والبقاء فيها في لأكثر من ربع قرن، أما البعض الآخر، فلفحت وجهه عصبية فقيهية لن يرضى عنها بديلاً وادّعى لنفسه صفات الألوهة، ويريد من خلال سلاحه الغريب أن يستولي على كامل الدولة.. حتى متى آن اوان التراجع أمكنه استقطاع محمية ايرانية على الأرض اللبنانية التي ادّعى تحريرها لكن فاته أن شيعة لبنان، المتأصلين في الأرض، ليسوا من السذاجة كي يسمحوا له باستغفالهم وتقرير مصيرهم الوطني كيفما شاء هذان.     

 

بنو معروف الذين شدّهم الوفاء لمن غُدِرَ به، الزعيم الوطني كمال جنبلاط، ونالهم من هذا الغدر محاولة اغتيال أحد كبار رجالهم الوطنيين، الأستاذ مروان حمادة، فانتفضوا مع اللبنانيين، في ثورتهم ضد الظلم، يطالبون بالعدل... لكنهم مؤخراً، باتوا حيارى إزاء انقلابٍ غير متوقع لزعيمهم الحالي الداعي إلى حيادهم عن العراك السياسي والتخلي عن كل شيء في سبيل الحفاظ على رأسه وكأنه أصبح هوَ هُم وهُم هوَ ، وكأنهم ليسوا من أركان الدولة ومن صميم الشعب اللبناني، ولا ندري ما إذا كان بنو معروف يقبضون مصداقيته بعد وما إذا كانوا يقبلون هذا الحياد المشبوه والذي يصبو هذا الجنبلاط إلى استغلاله في مستقبل ما سيحدث بين سوريا وإسرائيل من تقاسم مصالح جغرافية وسياسية!

والآن جاء دور أهل السنة، فلقد دفع الحماس الوطني بعض أهل السنة في طرابلس إلى الاعتقاد بأنهم أهلُ إنقاذٍ لهيبة المسلمين السنة بعد التواطئ الواضح بين النظامين الايراني والسوري لإزاحة رئيس أكبر تجمع نيابي عن تولّي رئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة. بالإضافة إلى هذا الوهم، استفزتهم الحميّة المناطقية ( طرابلس – بيروت ) كي يظهروا أنفسهم بمظهر المنقذين لموقع السنة في لبنان..

 

هكذا أفلح أهل الشقاق في استغلال نوايا طيبة تملّكت قلوب بعض الرجال الوطنيين لاستكمال شق صفوف جميع الطوائف اللبنانية خدمةً لمشروعهم الانقلابي لأخذ الوطن الصغير بعيداً عن ديمقراطية تعدديته كفلها دستور بلادهم، ومصادرة كافة فرص تعايش أبنائه، والإلقاء بهم في أحضان نظامين شموليين، يدّعي أحدهما أحقيّة قيادية قومية عربية لا تمتّ إلى العروبة بصلة فيما النظام الثاني يُبْطِنُ ولاية فقيهية يظللها بعداوة إسلامية عربية تقليدية لمحتلي أرض فلسطين العربية بشكل خاص وللصهيونية الدولية بشكل عام..

 

المؤسف حقاً أن تكون نتائج شقاق الطوائف اللبنانية متأتّية، بالدرجة الأولى عن تراخي وتخاذل وطيبة العنصر الوطني عند البعض، وعن شوفينية وكيدية وحقدٍ أعمى بصيرة البعض الثاني بينما البعض الثالث ينجح في استدراج الأول والثاني معاً، إلى الإلتهاء بالتنابذ والتناكف والتحجّر والعجز عن التقارب والتخلي التام عن الالتزام بالدستور خاصةً بعد أن تم الاجهاض على كافة بنوده وجعله مطيةَ كل مدعي ورافض..     

 

يبقى بعضٌ آخر وهام يتناسى الثلاثة وجوده هو الشعب اللبناني الذي يناله الأذى الأكبر من سياسة الفشل العام لدى جميع هؤلاء الأطراف، ولم يتلمّس من أيٍّ منهم اهتماماً حقيقياً بمصالحه بل سمح لهم بصبرٍ لا مثيل له بسوقه إلى مهاوي الإذلال الذي لم يذقه حتى في زمن الوصايات المتتالية، وها هو الآن يرى نفسه مساقاً بعنجهية من آمنَ بأهليتهم في القيادة واستعادة الدولة وفرض نظامها مُجدداً..

 

هذا الشعب الذي يشاهد الشعوب العربية الأخرى تثور على قياداتها الشعوبية، راديكالية أو دكتاتورية، فتخلعها وتُقصيها عن كراسي حكم احتجزتها لأنفسها وتستعيد ناصية الأمور بأيديها، وفي آن يرى قياداته تستمرؤ الاستمرار في سياستها البلهاء اللآيلة إلى السقوط في أحضان الشر المقبل فيصبح الوطن من جديد كبش محارق أصحاب المشاريع الموصوفة أعلاه..

ونتساءل: هل لصبر هذا الشعب من نهاية فينقضّ على هذه القيادات الفاشلة ويحجّم جنون عظمتها وشبقها إلى السلطة والتسلّط وإنقاذ أنفسهم والوطن من أيدي العبث والعهر السياسي قبل أن يصبح موئلاً للمنافقين وشذاذ الأفاق ؟  

 

صانك الله لبنان

 

06 آذار/2010